تكلم عن جنسية الأشخاص الاعتبارية بين القانون الدولى والقانون المصرى
× جنسية الأشخاص الاعتبارية فى القانون الدولى
لم يعد الإنسان هو الكائن الاجتماعى الوحيد على الأرض، وإنما وجدت إلى جانبه الأشخاص الاعتبارية التى تقوم بدور لا غنى عنه فى الدولة الحديثة. فلا يستطيع أحد إنكار الدور الرئيسى الذى تقوم به الشركات والجمعيات والمؤسسات فى تقديم الخدمات الأساسية للأفراد داخل المجتمع. ورغم ذلك ثار خلاف فى الفقه حول تمتع الشخص الاعتبارى بالجنسية، حيث ذهب فريق من الفقه التقليدى إلى عدم ملائمة فكرة الجنسية للشخص الاعتبارى، إلا أن أغلبية الفقه لم تسلم بهذا الرأى، وأقرت بحق الشخص الاعتبارى فى اكتساب جنسية دولة ما.
× إنكار الجنسية عن الشخص الاعتبارى
ذهب بعض الفقه إلى إنكار فكرة الجنسية كلية عن الشخص الاعتبارى، واستندوا فى ذلك إلى الحجج التالية:
1- الجنسية نظام أساسه الولاء المطلق من الفرد تجاه الدولة،2- والولاء لا يمكن توافره إلا فى الشخص الطبيعى،3- وينتفى بالتالى فى حق الشخص الاعتبارى الذى يظل بلا جنسية.
4- الجنسية رابطة ترتب حقوقاً والتزامات متبادلة فى حق طرفيها،5- كالحق فى الحماية والحق فى مباشرة الحقوق السياسية والالتزام بأداء الخدمة العسكرية،6- ومن غير المتصور أن يباشر الشخص الاعتبارى مثلاً حق الترشيح لعضوية المجالس النيابية أو يلتزم بأداء الخدمة العسكرية.
7- يضاف إلى ما سبق أن تحديد جنسية الأفراد إما أن يتم استناداً إلى حق الدم أو استناداً إلى حق الإقليم،8- ومن غير المتصور إعمال هذين الأساسين بالنسبة للشخص الاعتبارى.
9- يستند أنصار هذا الاتجاه فى سبيل إنكار الجنسية عن الأشخاص الاعتبارية إلى حجة أخيرة مؤداها أن وجود هذه الأشخاص غير مجد فى تعداد شعب الدولة،10- حيث أنه إذا كان الشعب «يتكون من أربعين مليوناً من الأشخاص وكان يوجد بها فى الوقت ذاته مليون شخص اعتبارى فإن عدد شعبها سيظل مع ذلك أربعين مليوناً فقط».
× الرد على الحجج السابقة
ليس من العسير الرد على الحجج السابقة وتفنيدها:
1- تنطوى الحجة الأولى على خلط واضح بين فكرة «الجنسية كنظام قانونى» وفكرة «الجنسية كعلاقة اجتماعية». فالجنسية كنظام قانونى تتأسس على الانتماء للدولة،2- وهذا الانتماء يتوافر فى حق الشخص الطبيعى والشخص الاعتبارى على حد سواء،3- بغض النظر عن وصفه القانونى كشخص طبيعى أو اعتبارى. ويتحقق ذلك من خلال الحقوق والالتزامات المرتبة على فكرة الجنسية كنظام قانونى،4- وهذه الحقوق وتلك الالتزامات كما تتوافر فى حق الشخص الطبيعى،5- تتوافر أيضاً فى حق الشخص الاعتبارى.
6- القول بعدم قدرة الشخص الاعتبارى على التمتع بالحقوق والتحمل بالالتزامات بنفس أسلوب الشخص الطبيعى،7- مرده اختلاف طبيعة كل منهما. فكل من الشخص الطبيعى والشخص الاعتبارى يتمتع بالحقوق ويتحمل بالالتزامات بالطريقة التى تتفق مع طبيعته. فإذا كان الشخص الطبيعى يتمتع بإمكانية مباشرة الحقوق السياسية،8- فإن الشخص الاعتبارى يتمتع بإمكانية تملك العقارات لمساحات كبيرة وكذلك تملك المنقولات ذات القيمة الاقتصادية النفسية كالسفن والطائرات،9- التى قد يعجز الشخص الطبيعى ذاته عن تملكها. وإذا كان الشخص الطبيعى يلتزم بأداء الخدمة العسكرية،10- فإن الشخص الاعتبارى يلتزم بأداء الضرائب – وهذا هو أحد الالتزامات الرئيسية التى تقع على عاتقه – وبمقدار مرتفع عن ذلك الذى يلتزم به الشخص الطبيعى. يضاف إلى ذلك أن طبيعة نشاط الشخص الاعتبارى تسهم فى توفير المزيد من فرص العمل وتحقيق زواج اقتصادى داخلى،11- وهو ما يسهم بلا شك فى زيادة القوة الاقتصادية للدولة. وهكذا فالتمتع بالحقوق والتحمل بالالتزامات قائم فى حق كل من الشخص الطبيعى والشخص الاعتبارى بصفة تبادلية على النحو الذى يتفق مع طبيعة كل منهما. كما أن فكرة التمتع بالحقوق والتحمل بالالتزامات ليست جوهر فكرة الجنسية،12- وإنما تعد من الآثار الناتجة عنها،13- وهذه الآثار لا تعد ركناً فى الجنسية ولا شرطاً لقيامها،14- ولا يترتب على تخلفها «عدم قيام الجنسية. فمن الأشخاص الطبيعيين من لا يقوم بأداء الخدمة العسكرية،15- كالنساء،16- من لا يتمتع بالحقوق السياسية كفاقدى الأهلية،17- وبالرغم من ذلك فلم يثر أى شك حول تمتعهم بجنسية الدولة».
18- يرد على الحجة الثالثة بأنه إذا كانت الأسس التقليدية المتعارف عليها فى مجال تحديد جنسية الأشخاص الطبيعيين لا تفلح فى تحديد جنسية الأشخاص الاعتباريين،19- فإن ذلك يرجع إلى اختلاف الطبيعة بين كل من الشخص الطبيعى والشخص الاعتبارى،20- كما أنه ليس لأن الأسس التقليدية فى تحديد الجنسية غير ملائمة لتحديد جنسية الشخص الاعتبارى،21- أن تنكر فكرة الجنسية كلية عن الشخص الاعتبارى،22- وإنما يتعين البحث عن أسس من طبيعة أخرى تتفق مع طبيعة هذا الشخص.
23- أما الحجة الأخيرة التى استند إليها أصحاب الاتجاه السابق والمتمثلة فى عدم جدوى الشخص الاعتبارى فى تعداد شعب الدولة،24- فمن المقرر أنه لا عبرة «بكون الأشخاص الاعتبارية لا تزيد من شعب الدولة من الناحية العددية إذ أن قوة الدولة ليست فى تعداد شعبها فحسب بل هى وقف أيضاً على قوتها الاقتصادية التى لا سبيل إلى تدعيمها إلا بانتماء الأشخاص الاعتبارية للدولة وتمتعها بجنسيتها».
× الاعتراف بالجنسية للشخص الاعتبارى
بعد هذا الاستعراض يتضح لنا أن الاتجاه السابق لم يكتب له الانتصار، ومن ثم يصبح الاعتراف للشخص الاعتبارى بالجنسية ضرورة ملحة، بهدف تحديد نوع المعاملة القانونية التى يلقاها ذلك الشخص. فالقوانين السارية فى كل دولة تحظر على الأجانب – سواء كانوا من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين – تملك أنواع معينة من العقارات، وبالتالى يلزم تمييز الأشخاص الاعتبارية ذات الصفة الوطنية من الأشخاص الاعتبارية الأجنبية، ولا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق نظام الجنسية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكما أن الجنسية – على حسب ما استقر عليه فى عالم التشريع – هى الأداة الوحيدة لتحديد المركز القانونى للشخص الاعتبارى على المستوى الوطنى فهى أيضاً الأداة الوحيدة لتحديد المركز القانونى للشخص الاعتبارى على المستوى الدولى. وقد حرص القضاء فى بعض الدول – منذ زمن بعيد – على تقرير هذا النظر أيضاً، حيث تقرر أنه «من المتفق عليه قانوناً أن الشركة التجارية تشكل كائناً معنوياً متميزاً... وبالتبعية لذلك فلها جنسيتها الخاصة وأموالها المستقلة عن الأموال الشخصية للشركاء».
وهكذا أصبح الاعتراف للشخص الاعتبارى بالجنسية حقيقة مسلمة فى الفقه والتشريع والقضاء. وإذا كان يعود إلى كل دولة حرية تحديد الأشخاص الاعتبارية التى تحمل جنسيتها، فالدولة – بما لها من سيادة – هى التى تحدد الأساس الذى تبنى عليه جنسية الأشخاص الاعتبارية، دون أن تتصدى- بطبيعة الحال – لتحديد جنسية الأشخاص الاعتبارية الأجنبية، وإلا كان ذلك اعتداءً منها على سيادة الدولة الأجنبية. فحرية الدولة فى تحديد جنسية الأشخاص الاعتبارية ليست مطلقة، وإنما تتحدد بحدود إقليمها. كما يجب – بالإضافة إلى ذلك – أن تكون هناك رابطة قوية تبرر منح الدولة جنسيتها للشخص الاعتبارى، كممارسة النشاط على إقليمها أو وجود مركز الإدارة الرئيسى بها أو كونها دولة التأسيس، وإلا أصبحت الجنسية غير معبرة عن حقيقة الواقع، وصح أن يطلق عليها «جنسية اسمية» وليست «جنسية فعلية». فمبدأ حرية الدولة فى تنظيم جنسيتها بما يرد عليه من قيود فى مجال جنسية الأفراد، يسرى هنا أيضاً فى مجال تحديد جنسية الأشخاص الاعتبارية.
× تعدد أو انعدام جنسية الشخص الاعتبارى:
من الممكن أن ينتج – كما علمنا - عن مبدأ حرية الدولة فى تنظيم جنسيتها تعدد أو انعدام جنسية الأشخاص الطبيعيين، ومن الممكن أيضاً أن ينتج عن هذا المبدأ تعدد أو انعدام جنسية الأشخاص الاعتباريين، ويتصور ذلك فى الأحوال التى تؤسس فيها الدولة جنسية هذه الأشخاص على معيار مكان التأسيس فى حين تتبنى دولة ثانية معيار مركز الإدارة الرئيسى، وبذلك فإن «الشركات التى تتأسس فى الدولة الأولى ويكون مركز إدارتها الرئيسى فى الثانية تتمتع بجنسية كل من الدولتين. وعلى العكس من ذلك لا يكون للشركة التى تأسست فى الدولة الثانية واتخذت مركز إدارتها الرئيسى بالدولة الأولى جنسية ما. بيد أن هذا الفرض الأخير نادر الحدوث عملاً»، إن لم يكن مستحيلاً حيث «لم يدل الواقع، على وجود أشخاص اعتبارية عديمة الجنسية. لأن الشخص الاعتبارى لابد أن ينشأ وفق نظام قانونى معين، يعترف بوجوده، وينظم أحكام قيامه وانقضائه».
× حل المشاكل الناتجة عن تعداد أو انعدام جنسية الشخص الاعتبارى:
إذا كان من المتعذر وجود أشخاص اعتبارية بلا جنسية، فالأمر يتطلب – مع ذلك – وضع حلول – ولو بصفة احتياطية – لهذا الوضع. فقد سبق التعرض للمشاكل الناتجة عن تعدد أو انعدام جنسية الشخص الطبيعى خاصة فى مجال تنازع القوانين، والواقع أن هذا الوضع أو ذاك يثير أيضاً نفس المشاكل بالنسبة للشخص الاعتبارى. فإذا كان الشخص الاعتبارى عديم الجنسية، اعتبر – إن تحقق هذا الفرض – أجنبياً، وعاملته الدولة معاملة الأجانب، باعتبار أنه لا يتمتع بجنسيتها، ويدخل بالتالى فى المدلول العام لمعنى الأجنبى، ومن ثم يثور التساؤل عن القانون الذى يحكم نساط هذا الشخص. ربما تصدت المادة 11/2 من القانون المدنى المصرى لحل هذا الوضع – بصفة عامة – بنصها على أنه «أما النظام القانونى للأشخاص الاعتبارية الأجنبية، من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها، فيسرى عليه قانون الدولة التى اتخذت فيها هذه الأشخاص مركز إدارتها الرئيسى الفعلى. ومع ذلك فغذا باشرت نشاطها الرئيسى فى مصر، فإن القانون المصرى هو الذى يسررى». وبذلك كانت هذه المادة قاطعة فى خضوع الشخص الاعتبارى الأجنبى – سواء كان يتمتع بجنسية دولة ما أو كان عديم الجنسية – لقانون دولة مركز الإدارة الرئيسى الفعلى. ولاشك أن هذا الحل يقضى تماماً على كل مشاكل تنازع القوانين المتعلقة بالشخص الاعتبارى، خاصة إذا كان عديم الجنسية، لأن أى شخص اعتبارى لابد وأن يكون له مركز إدارة رئيس، ومن ثم يخضع لقانون الدولة التى يوجد بها هذا المركز.
أما إذا تعددت جنسية الشخص الاعتبارى، فإنه ينبغى التفرقة – كما فى حالة الشخص الطبيعي – بين فرضين:
الفرض الأول: إذا كانت جنسية دولة القاضى من بين الجنسيات التى يحملها الشخص الاعتبارى، فهنا لن تعتد الدولة فى معاملتها للشخص الاعتبارى إلا بجنسيتها، ومن ثم يعتبر هذا الشخص وطنياً ويخضع للقوانين السارية.
الفرض الثانى: إذا لم تكن جنسية دولة القاضى من بين الجنسيات التى يحملها الشخص الاعتبارى، فمن الطبيعي أن يتم اللجوء – على حسب ما استقر عليه الرأى – إلى جنسية الدولة التى يرتبط بها الشخص الاعتبارى من الناحية الاقتصادية أكثر من ارتباطه بغيرها، ولا شك أن هذه الفكرة شبيهة بفكرة الجنسية الفعلية التى يتم اللجوء إليها لحل المشكلات المتعلقة بتعدد جنسية الشخص الطبيعى.
معايير تحديد جنسية الشخص الاعتبارى فى القانون المقارن
أصبح الاعتراف بالجنسية للشخص الاعتبارى أمر لا شك فيه، إلا أنه يتعين البحث عن الأسس المناسبة لبناء الجنسية فى هذا الخصوص. فقد سبق أن علمنا أن بعض الفقه قد رفض الاعتراف بالجنسية للشخص الاعتبارى بحجة عدم ملائمة الأسس التقليدية – حق الدم وحق الإقليم – لبناء جنسية الشخص الاعتبارى، لذا وجب اللجوء إلى معايير من طبيعة أخرى تتفق مع طبيعة الشخص الاعتبارى. فإذا كانت معايير بناء الجنسية تتأسس فى خصوص الشخص الطبيعى على الولاء والانتماء الوجدانى بكافة الحواس، فإنها تتأسس فى خصوص الشخص الاعتبارى على التبعية الاقتصادية، ومن ثم فقد اجتهد الفقه فى البحث عن المعايير التى تعبر عن التبعية الاقتصادية الحقيقية التى تبرر منح الدولة جنسيتها للشخص الاعتبارى، وقد ذهب الفقه فى ذلك مذاهب شتى.
× المعيار الأول : اكتساب الشخص الاعتبارى جنسية الشركاء
أولى المعايير التى قيل بها فى هذا المجال هو اكتساب الشخص الاعتبارى جنسية الشركاء المؤسسين له، فالشخص الاعتبارى ما هو إلا تجمع بشرى مستتر، والأفراد المكونين لهذا التجمع هو الذين أعطوه الحق فى الوجود، لذا يكون جديراً بأن يكتسب جنسيتهم. ويؤيد ذلك – فى نظر أصحاب هذا المعيار – أن فكرة الشخص الاعتبارى بالنسبة للشخص الطبيعى ما هى إلا محض خيال وافتراض مجازى. فالشخص الاعتبارى ما هو إلا حيلة قانونية لجأ إليها المشرع لتمكين تجمع إنسانى مستتر من مباشرة نشاط معين، ومن ثم يكتسب هذا الشخص جنسية الأفراد المكونين له، باعتباره كياناً معنوياً ممثلاً لهم ومعبراً عن إرادتهم. فإذا كان الشركاء – على سبيل المثال – مصريين صار الشخص الاعتبارى مصرياً، وإذا كانوا فرنسيين صار فرنسياً، وإذا كانوا إنجليز صار إنجليزياً وهكذا.
وقد انتقد هذا المعيار من عدة أوجه:
1- إن أول نقد يمكن توجيهه لهذا المعيار أنه يبتعد عن الشخص المعنوى ككيان مستقل،2- ولا يعبء إلا بأشخاص المؤسسين له. فمن المعلوم أن الشخص الاعتبارى له شخصيته القانونية،3- واسمه القانونى،4- وذمته المالية المستقلة عن الشركاء،5- ومن ثم لا يوجد تلازم حتمى بين جنسية الشركاء وجنسية الشخص الاعتبارى.
6- يستحيل الأخذ بهذا المعيار فى الأحوال التى تختلف فيها جنسية الشركاء،7- حيث يتأسس على افتراض أن جميع الشركاء من جنسية واحدة،8- فى حين أن الغالب – خاصة فى ظل الشركات العالمية الكبرى – أن تختلف جنسية الشركاء،9- وبالتالى يستحيل الأخذ به فى مثل هذه الأحوال. كما يستحيل الأخذ به أيضاً فى الأحوال التى يزدوج أو تتعدد فيها جنسية الشركاء،10- فهل تزدوج أو تتعدد جنسية الشخص الاعتبارى بالتبعية؟.
11- يضاف إلى ذلك أنه يتعذر إعمال هذا المعيار كلية بالنسبة لبعض الأشخاص الاعتبارية كالشركات المساهمة التى يتغير فيها المساهمين نتيجة لتداول الأسهم والسندات بصفة مستمرة.
12- أخيراً يعجز هذا المعيار عن تقديم الحل المناسب حتى فى الأحوال التى تتحد فيها جنسية الشركاء ولكن يفقد كلهم أو بعضهم جنسية الدولة نتيجة لاكتسابهم جنسية أجنبية،13- فهل يفقد الشخص الاعتبارى جنسية الدولة الأصلية ويكتسب جنسية الشركاء الجديدة بالتبعية،14- أم يظل متمتعاً بجنسية الدولة الأصلية؟ بناء على أى سند فى الحالتين؟
× المعيار الثانى: اكتساب الشخص الاعتبارى جنسية الدولة التى تم اختار قانونها لحكمه:
انطلق أنصار هذا المعيار – كأنصار المعيار السابق – من شخص المؤسسين للشخص الاعتبارى، غير أنهم ذهبوا إلى وجوب تمتع الشخص الاعتبارى بجنسية الدولة التى اختار الشركاء المؤسسين قانونها لحكمه. وعلى هذا يبدو شخص المساهمين هو القاسم المشترك بين هذا المعيار والمعيار الأول. غير أنه إذا كان المعيار الأول يعول على جنسية المساهمين، فإن هذا المعيار يعول على إرادتهم. ويستند أنصار هذا المعيار إلى أن اختيار النظام القانونى لدولة ما لحكم الشخص الاعتبارى يعنى بطريقة ضمنية اختيار جنسية هذه الدولة لتصبح هى الجنسية التى يتمتع بها. فإذا اختار الشركاء القانون الأسبانى لحكم الشخص الاعتبارى صار هذا الشخص أسبانياً، وإذا اختاروا القانون الألمانى صار ألمانياً وهكذا.
ولا يسلم هذا المعيار – كسابقه – من النقد:
ينطوى هذا المعيار أولاً على تفسير تحكمى لإرادة الأطراف، فاختيار النظام القانونى لدولة ما لحكم الشخص الاعتبارى لا يعنى بالضرورة اختيار جنسية هذه الدولة لتكون هى جنسية الشخص الاعتبارى.
إذا سلمنا بصحة هذا المعيار فكيف يكون الحكم فى الأحوال التى يغير فيها الأطراف النظام القانونى الذى سبق اختياره لحكم الشخص الاعتبارى، هل تتغير جنسية الشخص الاعتبارى بالتبعية؟
يستحيل من ناحية أخرى إعمال هذا المعيار فى الأحوال التى لا يختار فيها الأفراد أساساً نظام قانونى معين لحكم الشخص الاعتبارى، إذ كيف يتم تحديد جنسيته فى هذا الفرض؟
أخيراً يشكل هذا المعيار تعدياً على سيادة الدولة، لأنه يجعل من إرادة الأفراد سلطة عليا تعلو على إرادة الدولة. فهذا المعيار يجعل تحديد جنسية الأشخاص الاعتبارية رهناً بإرادة الأفراد وليس رهناً بإرادة الدولة. فإذا أراد الأفراد إكساب الشخص الاعتبارى الجنسية الألمانية مثلاً، فما عليهم إلا اختيار القانون الألمانى لحكمه، فى حين أن تحديد الأشخاص الاعتبارية ذات الصفة الألمانية أمر يخص الدولة الألمانية وحدها.
× المعيار الثالث: اكتساب الشخص الاعتبارى جنسية دولة التأسيس
إزاء الانتقادات التى وجهت للمعيارين السابقين نادى فريق من الفقه بضرورة الأخذ بمعيار دولة التأسيس، بحيث يكتسب الشخص الاعتبارى جنسية الدولة التى تأسس على إقليمها، إذ تعتبر هذه الدولة بالنسبة له بمثابة «دولة الميلاد». فإذا تأسست الشركة فى البرازيل صارت برازيلية، وإذا تأسست فى المكسيك صارت مكسيكية وهكذا. ولا يقصد بالتأسيس مجرد إبرام التصرف القانونى المنشىء للشخص الاعتبارى، وإنما اتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة حتى يخرج هذا الشخص إلى الوجود ويصبح كائناً قانونياً مستقلاً ويكتسب الشخصية القانونية.
والحقيقة أن أنصار هذا المعيار قد أرادوا الابتعاد عن الطابع الشخصى الذى كان سمة المعيارين السابقين، أملاً فى الوصول إلى معيار موضوعى لتحديد جنسية الشخص الاعتبارى. غير أن إمعان النظر يبين أن هذا المعيار يتسم بالشخصية أيضاً، فما أسهل أن يقوم الأفراد بتأسيس الشخص الاعتبارى فى الدولة التى يريدون حصوله على جنسيتها، حتى يتحقق لهم ذلك. فإذا كان اكتساب الجنسية يتوقف على مكان التأسيس، فإن الأفراد يستطيعون اختيار الدولة التى تحقق مصالحهم الخاصة دون نظر لمصالح هذه الدولة، وهو ما ينطوى على اعتداء على سيادتها ومصالحها فى نفس الوقت. يضاف إلى ذلك أن الأخذ بهذا المعيار من شأنه أن يؤدى إلى اكتساب الشخص الاعتبارى لجنسية لا تعبر عن حقيقة الواقع، ويتحقق ذلك فى الأحوال التى يتأسس فيها الشخص الاعتبارى فى دولة معينة فى حين يباشر نشاطه فى دول أخرى. ويشهد الواقع العملى حالياً مباشرة العديد من الشركات لنشاطها فى دولة أخرى غير دولة التأسيس، كشركات التنقيب عن البترول التى تؤسس فى أمريكا وأوربا على وجه الخصوص فى حين تمارس نشاطها فى أماكن متفرقة من العالم كدول الخليج.
× المعيار الرابع : اكتساب الشخص الاعتبارى جنسية دولة النشاط
رغبة فى تفادى الانتقادات التى وجهت للمعيار السابق، ذهب فريق من الفقه إلى وجوب تمتع الشخص الاعتبارى بجنسية الدولة التى يمارس نشاطه فيها. ويبرر أنصار هذا المعيار موقفهم بأن الشخص الاعتبارى يرتبط اقتصادياً بدولة النشاط أكثر من ارتباطه بأى دولة أخرى، وبالتالى تقوم رابطة «التبعية الاقتصادية» بالنسبة للشخص الاعتبارى مقام رابطة الولاء والانتماء بالنسبة للشخص الطبيعى، وهو ما يبرر تمتعه بجنسيتها، وتطبيقاً لذلك فالشخص الاعتبارى الذى يمارس نشاطه فى السعودية يصير سعودياً، والشخص الذى يمارس نشاطه فى السودان يصير سودانياً وهكذا.
ورغم وجاهة هذا المعيار إلا أنه كغيره يستهدف لأوجه النقد، وإن كانت هذه الأوجه أقل حدة مما وجه للمعايير السابقة. فقد يباشر الشخص الاعتبارى نشاطه فى أكثر من دولة، وتشكل كل منها مركزاً للنشاط يعادل ذلك المركز المقرر فى الدول الأخرى، فكيف يمكن الترجيح بين مراكز النشاط فى مثل هذه الأحوال حتى يتم تحديد جنسية الشخص الاعتبارى؟ يضاف إلى ذلك أنه «قد لا يكون للشخص الاعتبارى مركز استغلال ثابت، فقد يكون مركز نشاط الشركة دائم التنقل كما لو كانت الشركة تقوم بإنشاء أو صيانة الموانى أو الطرق وحينئذ يترتب على الأخذ بهذا المعيار تغير جنسية الشركة بصفة مستمرة بانتقال مركز نشاطها من دولة إلى أخرى، وهو ما يتنافى مع وجوب تمتع الجنسية بالثبات لتوفير الطمأنينة فى المعاملات».
× المعيار الخامس : اكتساب الشخص الاعتبارى جنسية دولة مركز الإدارة
اعتنق فريق أخير من الفقه معيار مركز الإدارة، وقد انطلق من اعتبار أنه قد يكون للشخص الاعتبارى مراكز نشاط فى دول متعددة، إلا إن الجامع لكل هذه المراكز هو مركز الإدارة الذى يكتسب بالنسبة للشخص الاعتبارى نفس الأهمية التى يكتسبها العقل البشرى بالنسبة للشخص الطبيعى. فمركز الإدارة يعتبر بمثابة العقل المدبر للشخص الاعتبارى، خاصة فى الأحوال التى تتعدد فيها مراكز النشاط، لذا يجب أن يكتسب الشخص الاعتبارى – وفقاً لهذا المعيار – جنسية الدولة التى يوجد بها مركز إدارته. ويتسم هذا المعيار «بوضوحه وسهولة تبينه، إذ من السهل معرفة مكان وجود مركز الإدارة. فاجتماع الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة أمر يتم بطريقة علنية كما أن تحديد مكان وجود الهيئات القائمة بشئون إدارة الشخص الاعتبارى أمر مادى سهل التحديد».
وبالتأمل فى هذا المعيار نجد أنه لا ينهض على أساس موضوعى خالص، لأنه يتسم بالطابع الشخص الذى كان سبباً فى توجيه سهام النقد لمعظم المعايير السابقة، فيكفى أن يختار الأفراد دولة ما كمركز إدارة للشخص الاعتبارى – حتى يكتسب جنسيتها – دون أن تكون بينه وبينها روابط حقيقية. ويبدو ذلك واضحاً فى الأحوال التى يكون فيها مركز إدارة الشخص الاعتبارى فى دولة ما فى حين يكون مركز النشاط فى دولة أخرى.
× ما يجرى عليه العمل فى الدول المختلفة
باستقراء التشريعات المختلفة فى دول العالم فإنه يمكن التمييز – فى خصوص المعيار المتبع لتحديد جنسية الشخص الاعتبارى – بين اتجاهين رئيسيين:
· الاتجاه الأول: معيار مركز الإدارة الرئيسى،· وتأخذ به معظم دول العالم خاصة دول القارة الأوربية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وبلجيكا والبرتغال واليونان وهولندا والسويد. ومن تطبيقات هذه القوانين ما تنص عليه المادة الثالثة من قانون 24 يوليو الصادر فى فرنسا عام 1966،· والتى تنص على أن «الشركات التى يكون مركز إدارتها على الإقليم الفرنسى تخضع للقانون الفرنسى». وقد سبق للقضاء الفرنسى أن أكد الأخذ بهذا المعيار منذ زمن بعيد،· حيث قضت محكمة باريس فى عام 1957 بأن «الذى يستنتج من وقائع الدعوى ومستنداتها،· وبصفة خاصة النظام الأساسى للشركة،· أن المقر الرئيسى للمصرف الفرنسى الصربى متواجد فى باريس. فإذا كانتهذه الشركة تمارس جزءاً من نشاطها فى يوغوسلافيا،· التى يوجد فيها مكتب هام لها،· فإن جمعيتها العمومية تجتمع فى باريس حيث توجد بها مجالسإدارتها وهيئاتها الإدارية والرقابية العليا،· ويترتب على ذلك صحة إدعاء المصرف الفرنسى الصربى فى استناده إلى تمتعه بالجنسية الفرنسية». كما قضت محكمة النقض الفرنسية بعد ذلك – وبالتحديد فى 30 مارس 1971 – بأنه «كمبدأ عام تتحدد جنسية الشركة وفقاً لمركز إدارتها». وتطبيقاً لذلك قضت محكمة استئناف باريس – فى 3 أكتوبر 1984 – بأن «الشركة التى يوجد مركز إدارتها فى لندن يجب أن تعامل على أنها شركة إنجليزية».
· الاتجاه الثانى: معيار دولة التأسيس. ويسود هذا المعيار بصفة خاصة فى الدول الأنجلوأمريكية والدول الاسكندنافية.
جنسية الأشخاص الاعتبارية فى القانون المصرى
لاشك أن الأشخاص الاعتبارية تحتل مكانة متميزة فى النظام القانونى المصرى، خاصة فى ظل السياسات الجديدة التى تعتنقها الدولة، والتى تنهض بصفة أساسية على الخصخصة وتشجيع رأس المال الوطنى والأجنبى وما صاحب ذلك من تسهيلات تشريعية فى جميع المجالات المتعلقة بالاستثمار. وقد كان طبيعياً فى ظل هذا المناخ التشريعى الجديد أن يحرص المشرع على بيان المعيار المميز لجنسية الشركات والأشخاص المعنوية بصفة عامة، غير أن هذا لم يحدث. لذا لا مناص من الاعتماد على النصوص القديمة الموجودة فى القانون التجارى السابق، وقانون الحالى للشركات رقم 159 لسنة 1981. ويتعين التفرقة فى هذا الصدد بين شركات المساهمة والأنواع الأخرى للشركات.
× جنسية الشركات المساهمة
نصت المادة 41 من القانون التجارى السابق على أن «جميع الشركات المساهمة التى تؤسس بالقطر المصرى يجب أن تكون مصرية وأن يكون مركزها الأصلى بالقطر المذكور». وقد ذهب رأى فى تفسير هذا النص إلى أن المشرع لم يكتفى بتأسيس الشركة المساهمة فى مصر حتى تكتسب الجنسية المصرية، وإنما حرص على تحقيق الارتباط بينها وبين الاقتصاد الوطنى، فتطلب – بالإضافة إلى ذلك – أن يكون مركز إدارتها الأصلى فى مصر. وبذلك ينتهى أنصار هذا الرأى إلى أن المشرع قد جمع بين معيارى مركز التأسيس ومركز الإدارة الرئيسى حتى تكتسب الشركة المساهمة الجنسية المصرية، أى يلزم أن يكون تأسيسها قد تم فى القطر المصرى وأن يكون مركز إدارتها الرئيسى فى القطر المذكور، إما إذا انتفى أحد هذين المعيارين بأن تم تأسيس الشركة فى الخارج أو كان مركز إدارتها الرئيسى فى الخارج فإنها لا تكتسب الجنسية المصرية. ويقتضى الأمر التعرض لمختلف هذه الفروض، والأمر لا يخرج فى جميع الأحوال عن الفروض الأربع التالية
1- إذا تم تأسيس الشركة المساهمة فى مصر وكان مركز إدارتها الأصلى أيضاً فيها فلا خلاف فى كونها مصرية.
2- إذا تم تأسيس الشركة فى الخارج وكان مركز إدارتها الأصلى أيضاً فى الخارج فلا خلاف فى كونها أجنبية.
3- إذا تم تأسيس الشركة فى مصر وكان مركز إدارتها الأصلى فى الخارج فلا خلاف فى كونها أجنبية،4- ومن ثم لا تكتسب الجنسية المصرية لمخالفة صريح المادة 41 المذكورة،5- التى تتطلب ضرورة أن يكون «مركزها الأصلى» بالقطر المصرى.
6- وقد ثار الخلاف بخصوص الفرض الرابع الذى تتأسس فيه الشركة السماهمة فى الخارج،7- ولكنها تتخذ – مع ذلك – مركز إدارتها الرئيسى فى مصر،8- حيث ذهب رأى إلى اعتبار الشركة فى هذا الفرض أجنبية،9- لكون المشرع قد جمع فى المادة 41 – كما ذهب فريق من الفقه – بين معيارى مركز التأسيس ومركز الإدارة.
وبإمعان النظر فى نص المادة 41 يتضح أن الهدف من عبارة المشرع «جميع شركات المساهمة التى تؤسس بالقطر المصرى يجب أن تكون مصرية»، هو عدم السماح بتأسيس الشركات المساهمة الأجنبية فى مصر، حفاظاً على رأس المال الوطنى. وبذلك لا يستفاد من النص السابق أن المشرع قد أراد قصر التمتع بالجنسية المصرية على شركات المساهمة التى لم تؤسس فى القطر المصرى فقط، «فالنص وإن كان يلزم الشركات المؤسسة بمصر بأن تكون مصرية إلا أنه لا يقضى بحرمان الشركات التى تؤسس بمصر من التمتع بهذه الجنسية». وتأسيساً على ذلك يتضح أن المعيار الأصلى لتمتع الشركة المساهمة بالجنسية المصرية هو مركز الإدارة الرئيسى، وبالتالى تكتسب الشركة المساهمة الجنسية المصرية إذا كان مركز إدارتها الرئيسى بالقطر المصرى، ويؤكد هذا التفسير فتوى الجمعية العمومية بمجلس الدولة رقم 772 فى 1/9/1960 والتى ذهبت فيها إلى أن «حكم هذه المادة (المادة 41 من القانون التجارى السابق) إنما يقتصر على تحديد جنسية الشركات المساهمة فى حالة تأسيسها فى مصر. إذ نصت صراحة على أن هذه الشركات تعتبر مصرية حتماً واستلزمت فى الوقت ذاته أن يكون مركز إدارتها فى مصر... أما فى غير هذه الحالة فإن هذا النص لم يورد حكماً لها، وقد اختلفت المذاهب فى كيفية تحديد جنسية الشركات المساهمة التى لا تؤسس فى مصر، فذهب رأى إلى أن العبرة فى تحديد جنسيتها هى بموطنها وذهب رأى ثان إلى أن العبرة فى ذلك هى بجنسية أغلبية الشركاء، كما وجد رأى ثالث يعتد بالمكان الذى تباشر فيه الشركة نشاطها، وذهب رأى رابع إلى تحديد جنسية الشركة تبعاً لأغلبية رأس مالها. وقد استقر الرأى فى مصر على أن الضابط فى تحديد جنسية الشركة المساهمة هو موطنها، فتعتبر الشركة مصرية متى كان مركزها الرئيسى فى مصر بشرط أن يكون هذا المركز حقيقياً لا صورياً». كما يؤكد ذلك أيضاً نص المادة 92 من قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 التى تنص على أنه «يجب أن تكون أغلبية أعضاء مجلس الإدارة فى أية شركة مساهمة من المتمتعين بجنسية جمهورية مصر العربية. وإذا انخفضت – لأى سبب من الأسباب – نسبة المصريين فى مجلس الإدارة عما يلزم توافره بالتطبيق لهذه المادة، وجب استكمال هذه النسبة خلال ثلاثة أشهر على الأكثر، على أن تصادق الجمعية العامة على ذلك فى أول اجتماع لها، ولا يخل ما تقدم بما نص عليه قانون استثمار المال العربى والأجنبى». وعلى هذا فالذى يحدث عملاً أن مشرع كل دولة يستطيع أن يتبنى المعيار المناسب ثم يقرنه بالشروط التى يراها ملائمة – من وجهة نظره – لضمان انتماء الشخص الاعتبارى للدولة، كأن يشترط أن تكون أغلبية الحصص مملوكة لوطنيين أو أن تكون أغلبية الشركاء يتمتعون بالجنسية المصرية أو حتى يجمع – إذا أراد – بين معيارين من المعايير السابقة. وربما أراد المشرع من نص المادة 41 – السابق الإشارة إليه – الجمع بين معيارى مركز التأسيس ومركز الإدارة الرئيسى، ولكن عبارة النص الحالية توحى بالتفسير الذى انتهينا إليه. وعلى هذا يكون المشرع إذا أراد حقاً الجمع بين المعيارين المذكورين، أن يقرر صياغة نص المادة 41 على النحو التالى: «جميع الشركات (المساهمة) التى تؤسس بالقطر المصرى ويكون مركز إدارتها الرئيسى به تكون مصرية».
وقد انتقد بعض الفقه بحق موقف المشرع – فى المادة 41 من القانون التجارى السابق – فى الأخذ بمعيار مركز الإدارة الرئيسى على أساس أنه «لا يصلح بالنسبة لدولة مستوردة لرؤوس الأموال كمصر إذ يتعين بالنسبة لها الأخذ بمعيار مركز النشاط الرئيسى (إذ لا شك) أن هذا المعيار هو الأكثر ملائمة للظروف الاقتصادية للدول النامية... فضلاً عن كونه أقرب المعايير إلى فكرة الرابطة الفعلية»، لاسيما وأن هذا المعيار لم يكن غائباً تماماً عن ذهن المشرع، وإنما تبناه صراحة عندما قرر خضوع الأشخاص الاعتبارية الأجنبية للنظام القانونى المصرى إذا باشرت نشاطها الرئيسى فى مصر. (المادة 11/2 من القانون المدنى).
ورغم أن المشرع قد تدخل مؤخراً بإصدار القانون التجارى الجديد رقم 14 لسنة 1999 ملغياً بذلك القانون التجارى القديم الصادر بالأمر العالى فى 13 نوفمبر 1883، إلا أن المادة الأولى من مواد إصدار هذا القانون قد أبقت بالكامل على الفصل الأول من الباب الثانى والمتعلق بشركات الأشخاص، بما فى ذلك المادة 41 السابق ذكرها. وبذلك نرى الاعتداد بنفس التفسير الذى انتهينا إليه سابقاً وتحديد جنسية الشركات المساهمة على أساس معيار مركز الإدارة الرئيسى بحيث تكتسب الشركة الجنسية المصرية إذا كان مركز إدارتها الرئيسى فى مصر. ويتفق هذا المذهب مع فلسفة النظام القانونى المصرى، الذى يعتد بمركز الإدارة الرئيسى للشركة لحل معظم المشاكل المتعلقة بها. ومن ذلك ما تنص عليه المادة 11/2 من القانون المدنى المصرى من أنه «أما النظام القانونى للأشخاص الاعتبارية الأجنبية، من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها، فيسرى عليه قانون الدولة التى اتخذت فيها هذه الأشخاص مركز إدارتها الرئيسى الفعلى». فالمشرع قد اعتد بذاته بمركز الإدارة الرئيسى الفعلى كضابط إسناد لتحديد القانون الواجب التطبيق على الشخص الاعتبارى الأجنبى. ويلاحظ رغم ذلك أنه لا علاقة لهذا النص بتحديد جنسية الشخص الاعتبارى، وإنما هدفه – كسائر النصوص المتعلقة بتنازع القوانين – فض التنازع الناشىء عن تصرفات الشخص الاعتبارى الأجنبى، بحيث تخضع هذه التصرفات لقانون بلد مركز الإدارة الرئيسى، ولو لم تكن هى البلد الذى يتمتع الشخص الاعتبارى بجنسيته. فمن المتصور مثلاً أن يكون الشخص الاعتبارى متمتعاً بجنسية دولة ما استناداً إلى معيار التأسيس، إلا أن مركز إدارته الفعلى فى دولة أخرى، فهنا يقرر النص خضوع الشخص الاعتبارى الأجنبى للنظام القانونى السائد فى دولة مركز الإدارة الرئيسى الفعلى باعتبار أن قانون هذه الدولة – وفقاً لمفهوم النص – هو القانون الأكثر صلة بالشخص الاعتبارى.
× جنسية الأنواع الأخرى من الشركات
لم يقرر المشرع حكم خاص لباقى أنواع من الشركات، وإزاء هذا الفراغ التشريعى تصدى القضاء فى أكثر من مناسبة للبحث عن معيار لتحديد جنسية الشركة. ففى حكم قديم صدر فى 31 يناير 1946 تصدت محكمة النقض لتحديد جنسية الشركات فقررت أنه «إذا كانت الشركة شركة توصية أسست فى مصر على النمط الذى يتطلبه قانون التجارة المصرى، واستوطنت مصر فاتخذت منها ميدان نشاطها التجارى، وكانت تضم ثلاثة شركاء ليس منهم إلا أجنبى واحد ورأس مالها ليس للشريك الأجنبى فيه إلا حصة قليلة بالنسبة إلى مجموعه وكان الشريك الموصى القائم على إدارتها وتمثيلها مصرياً فلا ريب فى اعتبارها شركة ذات جنسية مصرية». ومن المتعذر استنباط معيار واضح ومحدد من هذا الحكم، لأنه فى حقيقته ينطوى على وصف للشركة محل النزاع، ومن ثم انتهت المحكمة من مجمل هذه الأوصاف إلى تمتعها بالجنسية المصرية. وقد أسست محكمة النقض حكمها على المعايير التالية:
1- مركز التأسيس.
2- مركز الإدارة.
3- مركز النشاط.
4- جنسية الشركاء،5-
وذلك بالإضافة إلى شرطين آخرين هما الأغلبية الوطنية لرأس المال، وكون القائم على إدارتها وتمثيلها من المصريين. ولا يمكن بأى حال من الأحوال الاستناد لهذا الحكم لاستنباط معيار عام لتحديد جنسية الشركات لأنه لم يتصدى أصلاً لتحديد جنسيتها، وإنما هو بمثابة حكم وصفى، يعدد الأوصاف التى كانت متوافرة فى الشركة التى كانت جنسيتها محلاً للنزاع. فضلاً عن أن الاعتداد بهذا الحكم يمثل فى هذا المقام تشدداً لا مبرر له، لأن من شأنه التقليل إلى حد بعيد – إن لم يكن القضاء تماماً – على حالات اكتساب الأشخاص الاعتبارية للجنسية المصرية.
[/i:a13