السؤال الأول تكلم عن نظام الأسرة فى عهد القوة "الانتقام الفردى"؟يتطلب الحديث عن نظام الأسرة فى عهد القوة شرح العناصر التالية:
أولاً: الزواج
(1) صور الزواج (2) موانع الزواج (3) آثار الزواج (4) انحلال الزواج
ثانياً: الإرث.
ثالثاً: مكانة المرآة.
وذلك على الوجه التالي:
أولاً: الزواج
ï صور الزواج:
زواج المتعة.
زواج الخطف أو الأسر، وهو كما واضح من الوصف الذى أطلق عليه، لا يقوم على التراضي بل على الاختطاف أو الأسر فى الإغارات.
زواج الشغار أى الشاغر من المهر؛ وهو يقوم على مبادلة امرأة بأخرى فيتزوج الرجل من امرأة مقابل أن يزوج أخته أو ابنته أو إحدى قريباته لأحد أقارب المرأة التى تزوجها.
الزواج بالتراضي وعادة ما يشترط رضاء أقارب كلا الزوجين بجانب رضاء الزوجين، وأحياناً كثيرة يتم الزواج برضاء الأقارب دون حاجة للحصول على رضاء الزوجين، وكان الرجل يبذل جهده للحصول على موافقة أقارب الزوجة على زواجها بتقديم بعض الهدايا لهم – وهى مسألة نادرة وتافهة بالنظر لعدم وجود أموال – أو العمل لديهم فترة من الزمن.
ï (2) موانع الزواج:
اختلفت موانع الزواج باختلاف الجماعات، ولكنها جميعاً تتفق فى اعتبار هذه الموانع من القواعد الماسة بكيان الجماعة بحيث يعاقب من يخالفها بأشد أنواع العقاب. فبعض الجماعات يمنع الزواج بين الأقارب كلية أو لدرجة معينة والبعض الآخر يضيق دائرة المنع فيصل به الحال إلى إباحة زواج الأخ من أخته. والجماعات تنقسم من هذه الناحية إلى نوعين: نوع يحرم زواج الأقارب تحريماً باتاً ويسمح فقط بزواج الأغراب أي الزواج من خارد دائرة الجماعة، والبعض الآخر يأخذ بنظام زواج الأقارب أي يلزم الشخص بالزواج من دائرة الجماعة ويحرم عليه الزواج من خارجها.
ï (3) آثار الزواج:
ظهرت لدى الجماعات بعض التقاليد الخاصة بآثار الزواج؛ فبعض الجماعات تأخذ بنظام الأسرة الأمية وبعضها الآخر يأخذ بنظام الأسرة الأبوية. وفى الأسرة الأمية ينسب الأولاد إلى أمهم وأقاربها ويعتبر الأب أجنبياً عن أولاده لا تربطه بهم رابطة. ونتيجة لذلك يقيم الزوج مع جماعة الزوجة وينشأ الأولاد فى كنف جماعة الأم. والحال على عكس ذلك تماماً فى الأسرة الأبوية حيث ينسب الأولاد إلى أبيهم وجماعته وتعيش الزوجة مع عشيرة الأب. وبعض العلماء يرجع انتشار ظاهرة الأسرة الأمية إلى المركز الاقتصادي الممتاز الذي تتمتع به الأم، لأن تدبير القوت – سواء عن طريق الجمع والالتقاط أم عن طريق الزراعة – كان يقع على عاتق المرآة وحدها لأن الرجل يتفرغ للصيد والحروب. ويرجعونه كذلك إلى أن الجماعات البدائية كانت تجهل الدور الفسيولوجي الذي يقوم به الرجل فى التناسل وتعزو حمل المرآة إلى دخول روح من أصول الأم فى جوف المرآة وليس إلى اتصالها الجنسي بالرجل.
ï (4) انحلال الزواج:
أما عن انحلال الزواج بالطلاق فبعض الجماعات تقرر هذا الحق للرجل وحده وبعضها الآخر يقرره للزوجين معاً. والملاحظ أن حالات الطلاق كانت قليلة الحدوث.
ثانياً: الإرث:
فى الأسرة الأمية كان الإرث يتبع عمود النسب من جهة الأم، فالوالد يرث أمه وخاله لا أباه وعمه، أما فى الأسرة الأبوية فالعبرة بالقرابة من ناحية الرجل فيرث الولد أباه وعمه، وعلى كل حال فإن الأموال المملوكة ملكية فردية كانت قليلة جداً، وغالباً كانت تدفن مع الميت أو تحرق مع جثته.
ثالثاً: مكانة المرآة:
قد يتبادر إلى الذهن أن غلبة نظام الأسرة الأمية استتبع سيادة المرآة على الرجل. ولكن الواقع أن الصدارة ظلت للرجل – رغم انتشار نظام الأسرة الأمية – لأن مكانة الشخص فى المجتمع كانت تتحدد بقوته وقدرته على حمل السلاح والمرآة عاجزة عن اللحاق بالرجل فى هذا المضمار لذلك كانت منزلتها من الرجل، وفى أكثر المجتمعات تقدماً كانت تدانيه منزلة.
السؤال الثاني
اكتب فى نظام العقوبات فى مرحلة القوة مع بيان أهم صور التصالح التى وجدت لمنع الالتجاء إلى القوة؟
إجابة السؤال الثاني
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي بيان ما يلي:
التمييز بين الجرائم العامة والجرائم الخاصة التى تقع داخل الجماعة.
بيان مضمون مبدأ التضامن بالنسبة للجرائم التى تقع بين أفراد ينتمون لجماعات مختلفة.
بيان أهم صور التصالح الذي حل محل القوة.
وذلك على الوجه التالي:
أولاً – داخل الجماعة: التمييز بين الجرائم العامة والجرائم الخاصة:
داخل الجماعة الواحدة حدث تمييز بين الأفعال التى تمس كيان الجماعة كلها وتضر بمصالحها وتهدد أمنها والأفعال التى لا تصل إلى هذا الحد من الخطورة وتعتبر ماسة بكيان الأفراد فقط، والنوع الأول يمكن أن نسميه الجرائم العامة، أما النوع الثانى فيمكن تسميته بالجرائم الخاصة. والكثرة الغالبة من الأفعال كان ينظر إليها على أنها تخص المعتدى والمعتدى عليه وحدهما وليس فيها ما يعكر أمن الجماعة وصفوها، ولذلك كان الفرد هو الذى يقدر ما إذا كان الفعل، الذي وقع عليه، يعتبر اعتداء يستوجب العقاب أم لا، وهو أيضاً الذى يقدر نوع العقاب ومقداره وهو الذي يوقعه بنفسه أو بمعاونة أهله وأصدقائه. أما بقية أفراد الجماعة فيقفون موقفاً سلبياً ولا يناصرون أحداً ضد آخر. فالقتل والجرح والضرب والسرقة – إن وجدت – لأنه لم تكن هناك أموال وإن وجدت فهي مملوكة على الشيوع بينهم – كلها أفعال لا تحفل بها الجماعة.
أما الجرائم العامة فكانت محصورة فى الخروج على تقاليد الجماعة الخاصة بالقواعد التى تحكم نظم الزواج كالزواج من غير أعضاء الجماعة إذا كانت تأخذ بنظام الاقتراب أو الزواج من أعضاء الجماعة إذا كانت تأخذ بنظام الاغتراب، فهذه المخالفة تعتبر زنا محرماً. وكذلك الحال فى القتل بالسحر أو إلحاق الأذى باستعمال السحر. وفى الجرائم العامة تطبق الجماعة – عن طريق شيوخها أو رؤسائها – أشد أنواع العقاب ضد الخارج على تقاليدها. ومن صور هذا العقاب الإعدام أو النفي خارج الجماعة أو إتلاف أحد أعضاء جسم الجاني مثل فقء العين أو صلم الأذن أو قطع اللسان. والجريمة والعقوبة تستندان إلى أساس ديني سواء فى الجرائم العامة أو الخاصة، فالجريمة ذنب ديني والعقوبة تكفير عنه ولذلك اتسمت العقوبة ولذلك اتسمت العقوبة بالقسوة إرضاء للآلهة وخوفاً من غضبها.
وبعد ممارسة الزراعة البدائية تزايدت سلطة شيوخ الجماعة فنظمت سلطة العقاب فى الجرائم العامة، وأحلوا التصالح محل الانتقام الفردي فى الجرائم الخاصة.
ثانياً – خارج الجماعة: مبدأ التضامن:
إذا حدث اعتداء على شخص ينتمي إلى جماعة أخرى فمبدأ التضامن يوجب على أفراد جماعة الجاني مظاهرته ومساعدته ويوجب على جماعة المجني عليه الانتقام من الجاني وجماعته، فتقوم سلسلة من الحروب الإغارات لا تنتهي بين الجماعات. والقوة هي فيصل كل نزاع. وقد ساعد على نمو روح العداء ضد الجماعات الأخرى حياة العزلة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بأي حق من الحقوق بل كان الاعتداء عليه مبعثاً للفخر والتباهي من جانب المعتدى. وترتب على قيام نظام الجماعة على مبدأ التضامن مع شيوع الملكية الجماعية إلى عدم حصر دائرة الانتقام فى شخص معين أو مال بذاته ومن هنا ساد مبدأ المسئولية التضامنية. وبالنظر إلى عدم وجود سلطة عليا تعترف بها الجماعات المتنازعة فإنه لم يكن هناك مناص من الالتجاء إلى القوة لفض كل ما يثور من منازعات مهما كانت تفاهة هذا النزاع.
ثالثاً – بيان أهم صور التصالح الذي حل محل القوة:
فى أواخر هذا العصر وبداية عصر التقاليد الدينية بدأ رؤساء الجماعات يتدخلون لمنع الالتجاء إلى القوة، بعد ما قويت سلطاتهم وارتفع المستوى الأخلاقي نسبياً لدى الأفراد، فقد تبين للجميع أن مضار الالتجاء إلى القوة أكبر من فائدتها. وتعددت صور التصالح داخل الجماعة وهى بذاتها التى طبقت فى علاقة الجماعة بغيرها من الجماعات. غير أن التصالح ظل رهيناً بقبول المتنازعين له فإن شاءا التزما به وإن شاءا لجآ إلى القوة. وكان الهدف الأساسي من التصالح استتباب الأمن وحصر دائرة الانتقام فى أضيق حدود إن تعذر تلافيه، وقد ترك التصالح كثيراً من الآثار فى الشرائع القانونية القديمة.
وأهم صور التصالح هي: التحكيم، المبارزة، خلع الجاني، تسليم الجاني، القصاص، الدية، وقد ظهرت بالترتيب سالف الذكر.
1- التحكيم:
يختار المتنازعان عدداً من المحكمين، هم عادة من شيوخ القبائل – للفصل فى النزاع، وهيئة المحكمين تعتمد عادة على تحليف الخصوم. وبالرغم من أنه اختياري إلا أن المكانة الأدبية للمحكمين تحول دون نقضه، وغالباً ما يتم بين خصوم من قبيلتين مختلفتين. أما داخل الجماعة فإن رئيس الجماعة يقوم بدور المحكمين. وشبيه بهذا النظام ما يجرى عليه العمل الآن بين قبائل البدو فى مصر فى البحر الأحمر والوادي الجديد وفى سيناء.
وبدأ منذ أواخر هذا العصر الاحتكام إلى رجال الدين كما سنرى.
2- المبارزة:
وهى تتم بالسلاح الشائع استعماله، وتتم بين فردين يمثل كل منهما أحد طرفى النزاع، والمنتصر هو صاحب الحق. وشاع استعمال هذه الوسيلة فى أوربا فى العصور الوسطى وفى الجزيرة العربية قبل الإسلام.
3- خلع الجاني:
وصورته أن جماعة المعتدى تقطع صلتها به وتتبرأ منه فتطرده من حظيرتها فيصبح دمه مهدوراً ويحرم على أى شخص أو جماعة حمايته أو إيواؤه. وقد عرفت القبائل العربية قبل الإسلام هذا النظام تحت اسم "الخلع"، ويعرف المخلوع لدى الإغريق باسم طريد آلهة العدالة ، وعرفت القبائل السكسونية هذا النظام تحت اسم الخروج على القانون. وعرفته الشريعة اليهودية باسم "السخط" وطبقته الكنيسة الكاثوليكية باسم "اللعن".
4- تسليم الجاني:
قد يعمد أهل الجاني – إظهاراً لحسن نيتهم ورغبتهم فى السلم – إلى تسليم الجانى إلى أهل المجني عليه فيصبح مصيره بيديها وكثيراً ما كانت قبيلة المعتدى عليه تحتفظ به كرقيق لمدة محدودة بدلاً من قتله. ويطبق هذا المبدأ سواء بالنسبة للإنسان أو الحيوان أو الجماد، تأسيساً على أن كل ما هو فى الوجود له روح. وقد عرف الرومان وكذلك الإغريق هذا النظام تحت اسم التخلي عن مصدر الضرر ، فرب الأسرة له الخيار بين تسليم مصدر الضرر – سواء أكان ابنه أم رقيقه أم حيواناً أم جماداً مملوكاً له – أو دفع الغرامة المقررة قانوناً. وطبقه الفقهاء المسلمون بالنسبة للرقيق الذي يرتكب جناية، فسيده له الخيار بين تسليمه لأهل المجني عليه أو دفع الفداء. وورد ذكره فى التوراة وشاع بين قبائل الفرنجة سكان فرنسا. ويرى البعض أنه أصل نظام السجون.
5- القصاص:
فى الصورتين السابقتين يقتصر الانتقام على مرتكب الجريمة ولكن لا يوجد تعادل بين ما ارتكبه من أفعال وما قد تلحقه به جماعة المعتدى عليه من انتقام. أما فى القصاص فيقتصر الانتقام على إنزال عقوبة بالفاعل تماثل ما ارتكبه من أفعال، ويقوم بهذا القصاص أهل المعتدى عليه. عيناً بعين وسناً بسن وهو نظام أرقى بكثير من الخلع أو التسليم. ونجد له تطبيقاً فى الشريعة الإسلامية والقانون اليهودي والقانون الروماني وقوانين بابل وأشور، وظل مأخوذاً به زمناً طويلاً لدى الإغريق والقبائل الجرمانية. وما زالت بعض القوانين الحديثة تطبق القصاص فى حالة القتل العمد.
6- الدية:
ظهر هذا النظام فى مرحلة وصلت فيها الجماعة إلى درجة كبيرة من التقدم حينما توافرت لديها الأموال بعد الاعتماد على الزراعة. فيقوم الجاني وأهله بتسليم عدد من عبيدهم أو رؤوس الماشية لأهل المجني عليه. وهذا النظام يهدف من ناحية إلى افتداء الجاني نفسه ويهدف من ناحية أخرى إلى تعويض الضرر الذي حل بالمجني عليه وبأهله وتهدئه خواطرهم. وقبل توافر الأموال كان الجاني يعمد إلى استرضاء المجني عليه وأهله وطلب صفحهم بشتى الوسائل كأن يقدم له بعض الهدايا أو يقوم بتزويجه من إحدى قريباته .. إلخ.
وفى بادئ الأمر كان مقدار الدية متروكاً لتقدير الطرفين، وهو يختلف تبعاً لمركز الجاني والمجني عليه، وكان قبولها أيضاً متروكاً لتقديرهما إن شاءا قبلاها وإن شاءا رفضاها ولجأ إلى الانتقام والثأر. ولذلك يسمى هذا العهد بعهد الدية الاختيارية. وبعد أن قويت سلطة القبيلة، وكذلك الحال بعد أن ظهر نظام الدولة،
أصبحت الدية إجبارية فالسلطة العامة هى التى تحدد مقدارها وتلزم الطرفين بقبولها.
وقد أخذت كل الشرائع القديمة بنظام الدية فى جرائم الاعتداء على النفس كالقتل والجرح والضرب. غير أن بعضها كان يسوى بين الأفراد فى قيمتها وبعضها كان يحدد مقدارها تبعاً للطبقة التى ينتمى إليها الشخص. وبعض الشرائع كان يعمم تطبيقها فى حالة العمد وغير العمد وبعضها الآخر يقصر تطبيقها على حالات غير العمد.
ويرى البعض أن نظام الدية هو المصدر التاريخي لنظام التعويض المدني المعروف فى القانون الحديث، وهو أيضاً المصدر التاريخي لنظام الغرامة الجنائية، ذلك أن السلطة فى الجماعة أو الدولة كانت تأخذ جزءاً من هذه الدية.
7- الإثبات:
إذا ما اعترف المتهم بالفعل المنسوب إليه أمكن الالتجاء إلى إحدى صور التصالح سالفة الذكر. أما فى حالة عدم اعترافه فالأمر يصبح عسيراً بالنظر لعدم وجود هيئات قضائية تتولى التحقيق، فضلاً عن عدم وجود قضاة يتولون فحص الأدلة التى يعتمد عليها المدعى. وقد عمدت الجماعات البدائية إلى تخطى هذه العقبة بالاعتماد على أدلة للإثبات مع عقليتهم ومع نظام الانتقام الفردي الذي سيطر على مجتمعهم. وهذه الأدلة لا تقوم على تمحيص الوقائع للوصول إلى الحقيقة بل تستهدف أساساً استتباب الأمن ووضع حد للمنازعات بأى ثمن، ومفهوم العدالة عندهم لم يكن يخرج عن هذا المعنى.
Û ومن أهم وسائل الإثبات: تحليف اليمين، الاحتكام إلى المصادفة البحتة مثل مراقبة حركات بعض الحشرات أو اتجاه بعض الطيور فى طيرانها. ومنها أيضاً الالتجاء إلى المحنة حيث يبتلى المتهم باجتياز اختبار قاس مثل إلقائه فى النهر أو تجريعه شراباً مسموماً أو الإلقاء به فى النار .. إلخ، فإن نجا اعتبر بريئاً وإن مات أو أصيب بأذى ثبتت التهمة فى حقه هو وجماعته. ومن أمثلة ذلك نظام البشعة السائد بين القبائل العربية الآن فى شبه جزيرة سيناء، وما كان معمولاً به فى بابل حيث تبتلى الزوجة المتهمة بالزنا بإلقائها فى النهر. والقانون الجنائي الفرنسي فى العصر الملكي حتى قيام الثورة الفرنسية يحفل بمثل هذه الاختبارات.
السؤال الثالث
اكتب فى ظاهرة "القوة تنشئ الحق وتحميه" مبيناً أثر هذه الظاهرة فى الشرائع الحديثة والقديمة؟
إجابة السؤال الثالث
للإجابة على هذا السؤال ينبغى بيان ما يلى:
مضمون ظاهرة "القوة تنشئ الحق وتحميه" وسبب ظهورها.
أثر الظاهرة على القوانين الحديثة.
أثر الظاهرة على الشرائع القديمة.
وذلك على النحو التالي:
(1) مضمون ظاهرة "القوة تنشئ الحق وتحميه" فى الشرائع القديمة:
بالرغم من وصول المجتمعات التى ظهرت فيها الشرائع القديمة إلى مرحلة المدنية وبالرغم من تقدم الحضارة فيها إلا أننا نجد فيها بعض النظم التى تعتبر من بقايا عهد الانتقام الفردي، بل إننا نجد بعض آثار عهد القوة فى الشرائع الحديثة بالرغم من أنها كلها تحرم الاعتماد على القوة فى ادعاء الحقوق أو اقتضائها.
(2) أثر الظاهرة على القوانين الحديثة:
ما زال القانون الحديث يسمح بالاعتماد على القوة لإنشاء الحقوق وحمايتها فى بعض الحالات أهمها: كان القانون الدولي العام حتى الحرب العالمية الأولى يسمح بضم أراضى الدول بطريق الدول القوة، ويسمى ذلك بحق الغزو أو الفتح. وما زال بعض الفقه التقليدي يدافع عن هذه النظرية رغم تحريمها فى ميثاق هيئة الأمم المتحدة. والقانون الدستوري يقر حق الشعوب فى القيام بثورات ضد حكامها أو لتغيير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية. بل إن القانون الخاص ما زال يعتبر الاستيلاء سبباً لكسب الملكية، ويسمح بتحول الغصب إلى عمل مشروع عن طريق التقادم. وما زالت معظم القوانين الحديثة تبيح دفع القوة بالقوة فى حالات الدفاع الشرعى عن النفس أو العرض أو المال.
(3) أثر الظاهرة على الشرائع القديمة:
سادت بعض النظم التى ترجع فى أساسها إلى القوة؛ منها:
1- نظام الرق:
إن أهم مصادر الرق هو الأسر فى الحرب، والفلاسفة الفقهاء كانوا يسلمون بأن للمنتصر الحق فى قتل عدوه فله من باب أولى استرقاقه وتملكه. وقد قام النظام الاقتصادي قبل الثورة الصناعية على أكتاف الرقيق لأنهم كانوا يقومون بدور الآلهة فى العصر الحديث. وإلغاء الرق قبل الثورة الصناعية كان يعنى انهيار النظام الاقتصادي ولذلك لم تذهب الديانات السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، إلى حد إلغائه ولكنها حضت على معاملة الرقيق بالحسنى وعتقهم. ولم يلغ نظام الرق إلا فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد الثورة الصناعية.
2- وفى العلاقات الدولية:
بين الشعوب القديمة كان حق الفتح أو الغزو من الأصول المسلمة، وقد قامت كثير من الإمبراطوريات القديمة على أساس هذا الحق بل كان من حق الجيش المنتصر أن يقتل المدنيين من رجال البلاد التى يستولى عليها ويسترق نساءها وأطفالها. وقد تبدلت هذه القاعدة فيما بعد واقتصرت على حق الاسترقاق بالنسبة لجميع السكان ثم ألغى نظام الرق كلية.
3- الاسترقاق بسبب الدين:
كانت كل الشرائع القديمة – باستثناء الشريعة الإسلامية والقانون الفرعونى فى مصر – تبيح للدائن أن يسترق مدينه الذى لم يف بدينه،بل إن الاسترقاق كان ينصب ليس على المدين وحده بل يشمل أيضاً أعضاء أسرته من زوجة وأولاد تطبيقاً لمبدأ التضامن بين أفراد الجماعة الواحدة الذين يلزمهم بسداد ديون أحد أعضائها. ونظام الاسترقاق بسبب الدين يرجع فى أصله إلى عدم توافر الأموال فى العصور البدائية، فكان جسم الشخص هو الضامن لسداد ما عليه من التزامات لا فرق بين ما كان أصله مدنياً أم جنائياً. وبعد توافر الأموال كان المدين يفتدى جسده بدفع مبلغ من المال فإن عجز عن الوفاء جاز للدائن التنفيذ على جسده باسترقاقه.
4- بعض نظم العقوبات:
احتفظت معظم الشرائع القديمة ببعض صور التصالح القديمة التى كانت تهذيباً لاستعمال القوة وحصرت نطاق استعمالها. وقد سبق أن رأينا أن هذه الشرائع قد استبقت بعض العقوبات التى يرجع أصلها إلى نظم خلع الجاني أو تسليمه والقصاص والدية.
السؤال الرابع
تكلم عن نظام الأسرة فى مرحلة التقاليد الدينية؟
إجابة السؤال الرابع
تشمل الإجابة شرح العناصر التالية:
(1) سيادة نظم الأسرة الأبوية. (2) تدنى مركز المرآة.
(3) الزواج ويشمل:
- ظاهرة تعدد الزوجات.
- الزواج بالتراضي.
- ظهور نظام المهر.
الإرث والوصية.
وذلك على الوجه الآتى:
(1) سيادة نظام الأسرة الأبوية:
تضافرت العوامل الاقتصادية والدينية منذ العصر الحجرى الحديث على انتشار الأسرة الأبوية وحلولها محل الأسرة الأمية لدرجة أنه لم يصبح لهذا النظام الخير وجود حينما وصلت الشعوب إلى مرحلة المدنية.
فالزعامة الاقتصادية أصبحت للرجل، سواء لدى الشعوب التى تعتمد على الزراعة أم تلك التى تعتمد على الرعي. فأعمال الزراعة واستعمال أدواتها، وخاصة استعمال المحراث، تتطلب مجهوداً بدنياً لا يتوافر لامرأة فقام الرجل بهذه الأعمال، وطبيعة الرعي وتربية الماشية اقتضت أن يتولى أمرها الشبان والصبيان. توافر الرزق بعد الاعتماد على الزراعة أدى إلى عدم وأد البنات فتعادل عدد النساء مع عدد الرجال، وأدى إلى ظهور أموال يمكن أن تنتقل من شخص إلى آخر كالماشية ومنتجات الأرض بل والأرض ذاتها فى بعض الحالات.
وعبادة الأسلاف جعلت عبء القيام بشعائرها يقع على الرجل دون المرآة، وفى نفس الوقت بدأت الشعوب تفهم دور الرجل فى إنجاب الأطفال الأمر الذي أدى إلى حرص الرجل على أن تنتقل أمواله وواجبات الشعائر الدينية إلى أولاد من صلبه.
(2) تدنى مركز المرأة:
ترتب على الأسباب سالفة الذكر وما تبعها من سيادة الأسرة الأبوية أن هبطت منزلة المرأة فأصبحت فى حكم المال المملوك لصاحب السلطان عليها كالأب والأخ وقبل زواجها والزوج بعد زواجها؛ فهي أداة لكسب الحقوق ومن حقه بيعها أو رهنها أو إعارتها ومن حقه طلاقها أو الإبقاء عليها والزواج من أخرى. وظلت سلطة رب الأسرة فى تزايد مستمر حتى بعد مرحلة المدنية بزمن طويل. وقد استتبع هذا التطور تطور آخر فنسبت الزوجة على عشيرة زوجها والتزمت بالإقامة معه فى موطن عشيرته ونسب الأولاد إلى أبيهم وانحصر الإرث فى عمود النسب من جهة الأب. وهذا لا يعنى أن المجتمع تجاهل رابطة الدم التى تربط الأولاد بأمهم وأقارب أمهم فهي قرابة حقيقية لا يمكن تجاهلها غاية الأمر أن التقاليد القانونية لا ترتب على قرابة الأرحام آثاراً قانونية إلا فى حالات محدودة منها: حصول الأم وأقاربها على نصيب محدود من مهر بنتها عند تزويجها، واعتبار هذه القرابة مانعاً من موانع الزواج لدى كثير من الشعوب.
(3) الزواج:
تلاشت حالة الإباحية الجنسية أو كادت وأصبح نظام الزواج بالتراضي هو النظام السائد، وكان الهدف منه دائماً أبداً إنجاب النسل.
Û ظاهرة تعدد الزوجات:
أصبحت ظاهرة تعدد الزوجات ظاهرة عامة لأن الزراعة تتطلب كثرة الأيدي العاملة فأصبح الأولاد عنصراً من عناصر ثروة الشخص ينتفع بهم فى أعمال الزراعة ورعى الماشية فأصبح المال والبنون زينة الحياة الدنيا. غير أن ارتفاع قيمة مهر الزوجة كان يحد من انتشار نظام تعدد الزوجات. وقد اقتضى هذا النظام ظهور التقاليد التى تحدد كيفية معاملة الزوجات المتعددات، وإرثهن؛ والنظام السائد هو الاعتراف لإحداهن، وهى عادة أولاهن، بمركز أفضل من بقية الزوجات فظهر نظام الزوجة المفضلة.
Û الزواج بالتراضى:
تلاشت صور الزواج بالخطف والسبي وكادت تندثر فى هذا العصر ولم يبق منها سوى مظهرها أى قيام الزوج بتمثيل دور الخاطف لزوجته فى حفلات الزفاف. وأصبح الزواج عن طريق التبادل "زواج الشغار" نادر الحدوث. أما الصورة السائدة للزواج فهي الزواج بالتراضي؛ والأصل أن رضاء أقارب الزوجين شرط لازم لانعقاد الزواج فضلاً عن رضاء الزوجين، وكثيراً ما يستغنى عن رضاء الزوجين أنفسهما لدى بعض الشعوب ويكتفي برضاء أقاربهما.
Û ظهور نظام المهر:
كان الرجل يحصل على رضاء أقارب المرآة التى يرغب فى الزواج منها عن طريق التقرب إليهم سواء بتقديم بعض الخدمات أو الأعمال أو الهدايا.
ولما انتشرت الزراعة تحولت هذه الهدايا إلى نظام أصيل هو ما يعرف بالمهر. وكان عادة عدداً من رؤوس الماشية، ويزيد عليها لدى بعض الجماعات مثل "الجرمان أو أوربا" بعض الأسلحة. ومقدار المهر يختلف من قبيلة إلى أخرى وبعض القبائل تغالى فيه لدرجة أن مقداره يساوى أو يجاوز متوسط عدد رؤوس الماشية التى يملكها رب الأسرة. وبالنظر إلى أن الشاب الذي يقبل على الزواج لا يملك شيئاً لأن كل ما يكسبه يؤول إلى رب أسرته فإن العرف جرى على إلزام رب الأسرة بدفع هذا المهر، وحدد أيضاً الأقارب الذين يلتزمون بالمساهمة فى دفعه. ومن ناحية أخرى فإن المهر لا يكون مملوكاً للزوجة بل لأسرتها، ولذلك جرى العرف فى كل قبيلة على تحديد أنصبة أقارب الزوجة فى المهر سواء الأقارب من جهة الأب أم من جهة الأم، وجرى العرف أيضاً على تحديد ما يدفع منه قبل الزفاف وما يؤجل لما بعد الزفاف، والعرف أيضاً هو الذى يحدد الحالات التى يجوز فيها للزوج استرداد ما دفعه من مهر، ومعظم الشعوب تجرى على جواز استرداده إذا ما رفضت الزوجة أو أهلها إتمام زواجها أو إذا هجرته وعاشرت رجلاً آخر. ومن ناحية أخرى، يحدد العرف الحالات التى يحتفظ فيها أهل الزوجة بالمهر بعد انحلال رابطة الزوجية، ومنها إذا هجرت زوجها لسوء معاملته إياها ... إلخ.
وبالنظر إلى أن المهر يتملكه أقارب الزوجة فقد جرى بعض الباحثين على تكييف هذا الزواج بأنه شراء للزوجة وأن المهر هو ثمنها. ولكن فريقاً آخر يرى أنه ليس كذلك بل هو مظهر من مظاهر ارتفاع قدر المرآة لأنها بزواجها تجلب الغنى لأهلها فضلاً عن أنه يمثل ضماناً ضد سوء معاشرة الزوج فهو يعطى للزوجة حق هجره والاحتفاظ بما دفع من المهر، وبالنظر للمغالاة فى المهر سوف يتعذر على الرجل الزواج مرة أخرى.
ومع تقدم المدنية اعترفت بعض الشعوب للزوجة بملكيتها لمهرها مثل الشريعة الإسلامية.
وشعوب الشرق تميزت بصفة عامة بأن الزوج هو الذي يدفع المهر لزوجته، أما الشعوب الغربية فكانت الزوجة هي التى تدفع المهر لزوجها ويعرف باسم "الدوطة".
(4) الإرث والوصية:
ترتب على انتشار الزراعة كثرة الأموال التى قد يتركها الشخص عند وفاته فظهرت عدة قواعد، أسهمت فيها الديانة بنصيب موفور، تنظم انتقال التركة إلى الورثة. وسيادة نظام الأسرة الأبوية وعبادة الأسلاف وهوبط مركز المرآة طبعت نظام الإرث بطابع معين فى هذا العصر. فالتركة لا تقتصر على الأموال بل تشمل أيضاً السلطات التى كان يتمتع بها المتوفى. وتطبيقاً لذلك تعتبر أرملة المتوفى جزءاً من التركة وبذلك ظهر نظام الخلافة على الأرامل كما سنرى.
والعرف السائد لدى الكثرة الغالبة من الشعوب يقضى بحصر التركة "الأموال" فى الأبناء الذكور وحرمان البنات من الإرث تأسيساً على أنهن بزواجهن ينتقلن إلى أسرة الزوج، والتضامن العائلي يقضى بعدم خروج أموال الأسرة على أجنبي عنها. وفى حالة عدم وجود أبناء ذكور تؤول التركة إلى العصبات كالأخوة والأعمام .. إلخ. وأكثرها تقدماً يسمح بأيلولة التركة إلى البنات فى حالة انعدام الفرع الوارث من الذكور.
وإذا ترك المتوفى عدة أرامل كان للإبن الأكبر من غيرهن – أو الأخ – الخلافة عليهن، باستثناء أمه بطبيعة الحال، تأسيساً على أن المتوفى دفع مهراً عند زواجه بها، ومن ثم تظل فى أسرة الزوج المتوفى وتؤول السلطة عليها لمن يرث التركة. وتطبيقاً لهذه الفكرة يستطيع الوارث أن يعاشر الأرملة دون أن يدفع لأهلها مهراً جديداً، والأولاد الذين يولدوكن من هذه المعاشرة ينسبون إلى الزوج المتوفى وليس إلى الوارث الذي عاشرها. وعادة لا تخضع الأرملة لهذا النظام إلا إذا كانت شابة، أما إذا كانت قد جاوزت سن الحمل فلها عادة أن تختار بين الإقامة مع أهل زوجها أو لدى أهلها. وبعض الشعوب تجعل من نظام الخلافة على الأرامل نظاماً إجبارياً وبعضها يجعله اختيارياً، وفى الحالة الأخيرة على الأرملة التى آثرت ترك أسرة الزوج المتوفى أن ترد إليهم ما قبضته من مهرها. وبعض الجماعات يترك للأرملة حرية اختيار من تعاشره من أقارب زوجها وبعضها الآخر يحرمها من هذا الحق وتعين لها تقاليد الجماعة من تلتزم بمعاشرته.
ومن تطبيقات هذا النظام ما عرفه العرب فى العصر الجاهلي باسم زواج العضل.
وفى هذا العصر أيضاً بدأ يظهر اتجاه نحو منح الشخص حرية إبرام وصية ينظم بموجبها كيفية انتقال تركته وسداد ديونه واختيار وصى لأولاده القصر .. إلخ. وبدأت تظهر تقاليد تحدد حرية الشخص فى الإيصاء بما له وما يلتزم بتركه لورثته .. إلخ. ومن النادر أن تتضمن الوصية ما يخالف قواعد الإرث الشرعي.
السؤال الخامس
اكتب فى نظام العقوبات فى عهد التقاليد الدينية؟
إجابة السؤال الخامس
وتشمل العناصر التالية:
(1) الجرائم العامة والجرائم الخاصة.
(2) اختلاف العقوبة باختلاف مركز الجاني والمجني عليه.
(3) المسئولية الجماعية.
(4) تنفيذ العقوبة.
وفيما يلى شرح هذه العناصر:
(1) الجرائم العامة والجرائم الخاصة:
بدأ نظام التصالح الذي ظهر منذ أواخر العصر الماضي يؤتى ثماره خلال هذا العصر. وكلما ازدادت قوة السلطة الحاكمة – سواء فى ظل نظام القبيلة أم الدولة – قل الالتجاء إلى الانتقام الفردي لدرجة كاد ينعدم معها فى أواخر هذا العصر. ففي ظل السلطة العامة القوية اتسع نطاق الجرائم العامة، أى الأفعال التى تعتبر ماسة بكيان المجتمع سواء تم تصويرها على أنها تمثل اعتداء على هيبة شيخ القبيلة أو الملك أم على أنها اعتداء على الآلهة. واعتبرت العقوبة بمثابة تطهير لذلك الإثم أما تنفيذ العقوبة فهو بمثابة كفارة. ومن ناحية أخرى ترتب على تزايد السكان وتجمعهم فى قرى متجاورة ووفرة الأموال زيادة عدد الجرائم.
ونتيجة لهذا التطور ازداد عدد الأفعال التى تمس كيان المجتمع والتي أطلقنا عليها تعبير الجرائم العامة، فهي لم تعد مقصورة على السحر والزنا بالمحارم بل شملت أيضاً حالات أخرى أهمها: الهرب من القتال والخيانة العظمى والمساس بالذات الملكية ... إلخ. وفى هذه الجرائم تتولى الدولة توقيع العقوبة، وهى عادة الموت، ولا يجز فيها الصلح ولا الإبراء ولا يملك العفو عنها سوى الملك، أو شيخ القبيلة. أما الأفعال التى تعتبر ماسة بالفرد، وهى ما أسميناها الجرائم الخاصة، فقد ازداد عددها أيضاً. فبالإضافة إلى القتل والجرح والضرب والزنا نجد السرقة والاعتداء على الحدود والتشهير والاتهام الكاذب والحريق وحبس رجل حر أو بيعه على أنه رقيق ... إلخ. وفى هذه الأفعال يجوز الصلح والعفو والإبراء من جانب المجني عليه وأقاربه.
وبالرغم من هذا التطور ظلت الجرائم العامة مجرد استثناء من الأصل العام الذي يترك أمر تأثير الأفعال والعقاب عليها إلى الأفراد، وهو ما أسميناه الجرائم الخاصة.
(2) اختلاف العقوبة باختلاف مركز الجانى والمجنى عليه:
ومن أهم التطورات التى حدثت خلال هذا العصر أن معالم العقوبة بالنسبة لكل فعل قد اتضحت واستقرت فى ضمير الجماعة بحيث لا يجوز العدول عنها إلى الانتقام الفردى. وبجانب العقوبات البدنية كالموت أو القطع قصاصاً من الفاعل نجد عقوبات مالية تتمثل عادة فى تسليم عدد من رؤوس الماشية للمجني عليه طبقاً لتعريفة محددة. ونجد أيضاً فى بعض الحالات تسليم مصدر الضرر حيواناً كان أو جماداً أو رقيقاً أو إنساناً حراً. والسمات العامة التى تميز العقوبة هى أنها لا تقيم وزناً للتفرقة بين الفعل العمد والفعل الخطأ فهى واحدة فى الحالتين. وهى تختلف باختلاف مركز كل من الجاني والمجني عليه. فالعقوبة التى توقع ضد من يعتدي على رجل حر أشد من تلك التى توقع ضد من يعتدي على رقيق، والتعويض الذي يدفع عن قتل رجل حر مثلاً أكثر من التعويض الذي يدفع عن قتل امرأة أو طفل، ومقدار ما يدفع عن الاعتداء على الرجل الحر يختلف تبعاً للطبقة التى ينتمي إليها.
وكذلك الحال بالنسبة لسرقة الأموال. وعقوبتها عادة مثلان أو ثلاثة أمثال قيمة الشيء المسروق، ولكنها تزيد إن كان المال المسروق مملوكاً لأحد المعابد أو لشيخ القبيلة أو لأحد الأطراف، وتنقص العقوبة إن كان المال مملوكاً لأحد أفراد الطبقة الدنيا.
وفوق ذلك، فإن العقوبة المالية أصبحت تتضمن معنى العقوبة والضمان فى نفس الوقت، فهى ضمان لأنها تجبر الضرر ولكنها عقوبة لأن مقدارها يزيد عما حل بالمجنى عليه من ضرر فضلاً عن أن جزءاً من العقوبة المالية كان يذهب إلى الملك أو شيخ القبيلة لدى كثير من الشعوب. ومع الزمن زادت حصة الدولة عن حصة المضرور ولذلك تقوم الدولة بإرغام المعتدى عليه على قبولها.
(3) المسئولية الجماعية:
كان الطابع الجماعى فى المسئولية هو الطابع الغالب نتيجة لانتشار مبدأ التضامن بين أعضاء الأسرة؛ فأقارب الجانى يسهمون معه بنصيب فى مقدار الغرامة المالية التى يدفعها، وأقارب المجنى عليه يقتسمون معه ما يحصل عليه من تعويض، بل إن أعضاء الأسرة يتحملون نصيباً كبيراً من مقدار الغرامة إذا هرب الجاني ولاذ بقبيلة أو دولة أخرى. وفى حالات كثيرة تعتبر الأسرة أو القرية مسئولة بالتضامن عن الغرامة المالية إذا ظهر قتيل حيث تقيم ولم يعرف الجاني، أو ظهر شيء مسروق لديها ولم يعرف السارق. وفى بعض الحالات تكون العقوبة عبارة عن تسليم عدد من الأشخاص، عادة من الأطفال والنساء، لأهل القتيل ومن ثم يقع وزر الفعل على الأسرة كلها، وقوانين القبائل الجرمانية سواء قبل أن تصبح دولاً أم بعد أن أصبحت دولاً خير شاهد على ذلك. وقوانين الشعوب المتحضرة القديمة احتفظت ببعض قواعد هى من بقايا هذه النظم.
(4) تنفيذ العقوبة:
كان تنفيذ العقوبة فى الجرائم العامة من اختصاص شيخ القبيلة أو الملك أما فى الجرائم الخاصة فإن تنفيذها كان متروكاً للأفراد ولكن السلطة تتدخل فى هذا التنفيذ عن طريق تحديد أماكن معينة للتنفيذ كما أنها حصرت دائرة الأفراد الذين يتولون التنفيذ واستبعاد من عداهم بعد ما ضعفت رابطة العصبية القبلية، وتطبيقاً لذلك كان تنفيذ العقوبة يترك فى بعض الحالات للمجنى عليه وأقاربه، كما فى القصاص، وفى حالات أخرى تتولاه السلطة العامة، كالتنفيذ على أموال الشخص وفاء لغرامة؛ وفى الحالتين لا يتم التنفيذ – عادة – إلا بعد صدور حكم قضائي.
السؤال السادس
اكتب فى نتائج ظهور التقاليد العرفية كمصدر للقانون؟
إجابة السؤال السادس
ترتب على ظهور العرف كمصدر للقانون عدة نتائج هامة وهى:
(1) تعدد مصادر القاعدة القانونية:
لم تعد الديانة هي المصدر الأوحد للقواعد القانونية، بل أصبحت مصدراً بجانب المصادر الأخرى تختلف أهميته باختلاف الشرائع. فهي مصدر ثانوي الأهمية فى الشرائع الغربية ولكنها ظلت تحتفظ بقدر أكبر من الأهمية فى الشرائع الشرقية. وظهرت بجانب الديانة مصادر أخرى تفوق الديانة أهمية فى الشرائع الغربية وتعادلها فى الشرائع الشرقية هى العرف والتشريع والفقه وكان مجالها الطبيعي هو المعاملات المدنية. أما العلاقات الاجتماعية وثيقة الصلة بالدين كالزواج والطلاق .. إلخ. فظلت الديانة مصدرها.
(2) القانون تعبير عن إرادة الشعب:
ترتب على انفصال القانون عن الدين أن أصبح ينظر إليه، لدى الشعوب الغربية التى فصلت بينهما فصلاً تاماً، على أنه تعبير عن إرادة الناس ومن صنع العقل البشرى ويعكس ما وصل إليه المجتمع من حضارة ويهدف إلى خير الجماعة. وانتهى العصر الذي كان يعتبر فيه القانون صيغاً وطقوساً تصدر عن الآلهة. وهكذا ظهر المبدأ الذي عرف فيما بعد بأن الأمة مصدر السلطات، ونتيجة لذلك لم يعد المشرع يتكلم باسم الآلهة بل باسم الشعوب. فلجنة العشرة التى وضعت قانون الألواح الاثنى عشر فى روما تلقت سلطاتها من الشعب لا من الديانة، والشعب الإغريقي هو الذي منح صولون سلطة إصدار تشريعه. اما فى الشرق فظل المشرع يتكلم باسم الآلهة بالرغم من أن ما تضمنته التشريعات من قواعد كانت فى كثير من الحالات من صنع العقل البشرى. ولكن الفقه جرى على التمييز بين نوعين من القواعد: قواعد ذات أصل دينى صدرت على سبيل التأييد ولا تقل التغيير إلا عن طريق الديانة، وقواعد مرنة تتعدل تبعاً لظروف المجتمع وفيها يقوم العقل البشرى بدور فعال.
(3) قابلية القانون للتعديل:
ترتب على تصوير القانون على أنه وليد حضارة المجتمع ومن صنع العقل البشرى أن أصبح قابلاً للتعديل كلما تغيرت ظروف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وأصبح العقل البشرى الذي خلق القاعدة القانونية، سواء فى صورة عرف أم تشريع أم فقه، قادراً على تعديلها، مع ملاحظة أن الشرائع السماوية تقصر حق التعديل على قواعد المعاملات التى لم يرد نص بتأييدها.
(4) الجزاء:
ترتب على انفصال القانون عن الدين من حيث طبيعتيهما فى البلاد الغربية أن تميز الجزاء الديني عن الجزاء القانوني والقضاء الديني عن القضاء المدني، فأصبحت القاعدة القانونية تتميز باقترانها بجزاء مدني حال منظم توقعه السلطة الحاكمة.
أما فى الشرق حيث ظل الصل الديني للقاعدة بارزاً دونما تمييز بين القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية والقاعدة الدينية فإن الجزاء أصبح مزدوجاً: جزاء دينى بجانب الجزاء المدنى.
(5) علانية القواعد القانونية:
لم تعد القاعدة القانونية سراً مكنوناً فى صدور الكهنة أو مدوناً فى سجلاتهم بل أصبحت قاعدة معروفة للجميع، ذلك أن القاعدة العرفية لا تكون كذلك إلا إذا درج عليها الناس فى معاملاتهم اليومية زمناً طويلاً. والقاعدة الصادرة عن المشرع لا يلتزم بها الناس إلا بعد نشرها بينهم بإحدى وسائل النشر المتعارف عليها. والقواعد الناتجة عن اجتهاد فهي لا تظل حبيسة صدور الفقهاء بل تذاع على الناس سواء فى صورة فتاوى علنية أم فى ساحة القضاء، بل إن الفقهاء فى القديم كانوا يحرصون على نشر آرائهم بين الناس ويهبون حياتهم لشرح القانون وتفسيره دون أن يبتغوا من وراء ذلك أجراً مادياً مكتفين بما ينالونه من شهرة.
(6) المساواة بين الناس:
كان للتطور الاجتماعي والاقتصادي أثره فى تحقيق أكبر قدر ممكن من المساواة بين الناس أمام القانون، ولذلك كان من أهداف القانون تحقيق هذه المساواة أو على الأقل الانتقاص من امتيازات بعض الطبقات لصالح البعض الآخر، فبدأ يظهر مبدأ المساواة أمام القانون، ولكن هذا المبدأ لم يؤت ثماره إلا بعد ازدهار المدنية حينما بدأت الفوارق بين الطبقات فى الزوال. فبدأت تتلاشى الفوارق بين الناس داخل المجتمع الواحد، فلم يعد هناك أشراف وعامة ولم تعد هناك امتيازات لرجال الدين، وفى نفس الوقت بدأت تقل الفوارق بين أبناء الطبقات المختلفة، وتناقصت الفوارق بين المواطنين والأجانب ولم يعد محروماً من مبدأ المساواة سوى الأرقاء، وقد تكفل القانون الحديث، بعد الثورة الصناعية، بالقضاء على هذا النظام.
(7) سلطة الحاكم:
تميز نظام الحكم فى البلاد الغربية بظهور مبدأ جديد هو المبدأ الديمقراطى؛ فالسيادة أصبحت للشعوب والأمة مصدر السلطات أما الحكام فإنهم يتولون السلطة باسمها ويؤدون حساباً عن أعمالهم أمام المحكومين. وحتى فى البلاد الشرقية حيث ساد مبدأ التفويض الإلهى فإن الحاكم لم يعد يراعى فى حكمه مصالح طبقة بعينها بل كان عليه أن يراعى مصلحة الجميع لأن الآلهة ستحاسبه عن ذلك.