المحاضرة الثالثة
تأثير الوارثة والتكوين البدنى والسن على ارتكاب الجريمة
سوف نتناول في هذا الباب كل من العوامل الإجرامية الداخلية والعوامل الإجرامية الخارجية الدافعة إلى ارتكاب السلوك الإجرامي، وذلك في فصلين متتاليين :العوامل الإجرامية الداخلية
الدافعة إلى أر تكاب الجريمة
يقصد بالعوامل الداخلية المفسرة للسلوك الإجرامي مجموعة العوامل الفردية المتعلقة بشخص المجرم من الناحية البدنية أو النفسية أو العقلية والتي يكون في توافرها أو توافر أحدها لدى هذا الشخص دوراً هاماً في تحديد السلوك الإجرامي كما وكيفاً.وأهم هذه العوامل الداخلية أو الفردية والتي اهتمت دراسات علم الإجرام بيان دورها في مجال الظاهرة الإجرامية وعلاقتها بالإجرام نذكر ما يلي:الوراثة، التكوين البدني، الجنس، السن، الإمكانات الذهنية، الحياة الغريزية، المرض، إدمان الخمور والمخدرات.الوراثـة
يقصد بالوراثة انتقال خصائص معينة من السلف إلى الخلف عن طريق التناسل. وإذا كان انتقال بعض الأمراض أو انتقال بعض العوامل المهيئة للإصابة ببعض الأمراض من الأصل إلى الفرع لا يثير مشكلة من الناحية الطبية، إلا أن الأمر ليس بنفس الصورة من ناحية علم الإجرام. فالمشكلة التي تثار في مجال البحث في علم الإجرام تنحصر فيما إذا كان الإجرام أو الاستعداد لارتكاب الجريمة يمكن أن ينتقل من الأصل إلى الفرع؟ وإذا كان الوضع يختلف من حالة إلى أخرى، فما هو المعيار الذي يمكن على أساسه معرفة ما إذا كان الاستعداد الإجرامي قد انتقل بالوراثة؟ وقبل البحث في علاقة الوراثة بالإجرام، يتعين الإشارة إلى أن المقصود ليس وراثة الجريمة ذاتها ولكن المقصود هو وراثة بعض الإمكانيات أو الاتجاهات التي تعتبر مهيئة لارتكاب الجريمة إذا ما صادفتها ظروف معينة.وقد اختلف العلماء القدامى إلى اتجاهين، الاتجاه الأول يرى أن ميراث خصائص إجرامية معينة بدنية أو عقلية أو نفسية هو الذي يقود حتماً إلى ارتكاب الجريمة وذلك هو فحوى نظرية لومبروزو عن المجرم بالميلاد الذي يولد حاملاً خصائص تجعله حتماً مجرماً. وفي مقابل هذا الاتجاه ذهب اتجاه آخر إلى إنكار دور الوراثة في ارتكاب الجريمة، مؤكداً على أن ارتكاب الجريمة يرجع إلى بعض العوامل البيئية المحيطة بالفرد.وقد شاب كلاً من الاتجاهين السابقين التطرف في الرأي، فمن الصعب إغفال دور البيئة المحيطة بالفرد في تكوين شخصيته الإجرامية، كما أن ما ينتقل بالوراثة ليس خصائص إجرامية معينة وإنما مجرد إمكانيات أو اتجاهات قد تولد لدى الفرد – وهذا ليس يقينياً – الميل أو الاستعداد لارتكاب الجريمة.وترتيباً على ذلك يرجع العلماء المعاصرون ارتكاب الجريمة إلى مجموعة من العوامل من بينها وراثة بعض الإمكانيات التي قد تولد لدى الفرد الاستعداد لارتكاب الجريمة، مع ملاحظة أن تأثير هذه الإمكانيات ليس حتمياً وإنما تنحصر أهميتها في أنها تشكل أحد العوامل الإجرامية.وفي دراستهم للعلاقة بين الوراثة والظاهرة الإجرامية يلجأ الباحثون إلى أحد أساليب ثلاثة: دراسة شجرة العائلة والدراسة الإحصائية لبعض العائلات ودراسة التوائم.Û أولاً : دراسة شجرة العائلةهذا الأسلوب يستند إلى دراسة عائلة معينة لمعرفة مدى انتشار الإجرام بين أفرادها ولتحديد مدى إمكانية انتقاله من الأصول إلى الفروع في هذه العائلة.وكانت أولى هذه الدراسات وأهمها في هذا المجال تلك الدراسة التي أجريت على عائلة "جوك Jukes" الأمريكية والتي قام بها "دوجدال Dugdale"، حيث لاحظ أثناء زيارته لسجون ولاية نيويورك ارتفاع معدل الجريمة بين مجموعة من الأفراد المنحدرين من أصل واحد. وأوضحت الدراسة التي أجريت حول هؤلاء الأفراد أن أصلهم المشترك كان مدمناً على الخمر وكانت زوجته مشتهرة بارتكاب جرائم السرقة. وأوضحت الدراسة أن ذرية هذه العائلة على مدى سبعة أجيال متعاقبة ضمت 709 شخصاً، كان بينهم عدد كبير من القتلة والسارقين والداعرات ومدمني الخمر والمتشردين وعدد آخر من المتسولين والمصابين بأمراض عقلية.ومن الأبحاث الأخرى في هذا المجال تلك التي أجريت على تاريخ عائلة "كاليكاك Kalikak" والتي قـام بها العالم الأمريكي "جودارد Goddard". وقد تبين للباحث أن الجد الأكبر لهذه العائلة قد أنجب ابناً من امرأة سيئة السمعة وأن هذا الابن قد أنجب بعد ذلك ذرية من 480 فرداً كان بينهم عدد كبير من المنحرفين والمجرمين ومدمني الخمور والبغايا والمصابين بمرض عقلي. في حين أثبتت الدراسة أن الجد الأكبر كان قد تزوج من امرأة أخرى طيبة السمعة وأنجب ذرية مختلفة أثبتت الدراسة أنه لم يكن لديها نفس الانحرافات السابقة، الأمر الذي دعا إلى التأكيد على دور الوراثة في مجال الإجرامٍ.وفي اتجاه مقابل أجريت دراسة على عائلة شريفة كان كبيرها واعظاً ويدعى "جوناثان إدوارد Jonathan Edwards" وقد بينت هذه الدراسة عدم إقدام أي فرد من هذه العائلة على ارتكاب الجريمة، بل إن بعض أفرادها قد تقلد مناصب هامة من بينها رئاسة الولايات المتحدة وحكام لبعض الولايات وقضاة بالمحكمة العليا.ومن أهم ما يؤخذ على هذا الأسلوب في دراسة تفسير السلوك الإجرامي أنه أغفل تماماً دور البيئة في ارتكاب الجريمة. فإذا كان الأب أو الجد مجرماً فإن إجرام الأبناء أو الأحفاد قد يرجع للتأثير السيئ للبيئة التي يعيشون فيها وهي بلا شك بيئة مهيئة في الأغلب لارتكاب السلوك الإجرامي. ثم أنه وبنفس المنهجية في التفكير لم تبين هذه الدراسات لماذا لم يكن للوراثة دور في الابتعاد عن طريق الإجرام عندما كان أحد الأبوين غير متصف بالإجرام أي أن الدراسة أغفلت العوامل الداخلية الخاصة بأحد الأبوين.Û ثانياً : الدراسة الإحصائية لبعض العائلاتهذه الوسيلة لدراسة العلاقة بين الوراثة والظاهرة الإجرامية لا تركز على دراسة الإجرام في ذرية فرد معين وإنما تمد الدراسة إلى أقاربهم كالأخوة والأعمام والأخوال، كما أنها تتسع لتشمل مجموعة غير منتقاة من المجرمين وذلك لتفادي تأثير البيئة الواحدة عليهم. وتقوم هذه الوسيلة على أحد أسلوبين: إما اختيار مجموعة من المجرمين لمعرفة مدى انتشار الإجرام بين أسلافهم وأقاربهم، وإما اختيار مجموعة من الشواذ وبيان مدى انتشار ظاهرة ارتكاب الجريمة بين أسرهم وأقاربهم. ومن أشهر الدراسات في هذا الشأن تلك الدراسة التي قام بها العالم الألماني "ستمبل Stumple"؛ حيث أجرى دراسته على عدد من المجرمين العائدين وعدد من المجرمين الذين ارتكبوا الجريمة لأول مرة وعدد من غير المجرمين، كما شملت الدراسة حوالي 20 ألف من ذوي قرباهم.وكان من نتائج الدراسة أن نسبة الإجرام أعلى في عائلات المجرمين منها في عائلات غير المجرمين وأن الجرائم الخطيرة يكثر ارتكابها في العائلات الإجرامية الخطيرة.وفي دراسة أخرى قام بها العالم الإنجليزي "جورنج Goring" أكد فيها على دور الوراثة في نقل الاستعداد الإجرامي من الأصول إلى الفروع. وقد دلل هذا العالم على هذا الدور بأن الأبناء الذين عاشوا منذ سن مبكرة بعيداً عن آبائهم لوحظت لديهم نفس النسبة من الإجرام التي وجدها لدى الأبناء الذين عاشوا في كنف عائلاتهم. وقد لاحظ كذلك نفس النسبة من الجرائم الجنسية لدى الآباء والأبناء وهي جرائم يخفيها الآباء عادة عن أبنائهم.ومع كل هذه الملاحظات التجريبية إلا أنه من الصعب الجزم بدور الوراثة في هذا الشأن وإغفال باقي العوامل خاصة دور البيئة المحيطة بالفرد وما لها من تأثير في سلوك الفرد وميله نحو ارتكاب الجريمة.Û ثالثاً : دراسة التوائمتنقسم التوائم إلى نوعين: الأول ينشأ من تلقيح بويضة واحدة بواسطة حيوان منوي واحد ثم انقسام هذه البويضة الملقحة إلى جزأين ويطلق على هذا النوع "التوائم المتماثلة" حيث أن هذا النوع من التوائم يتشابه أفراده في اغلب الخصائص. والثاني ينشأ عن تلقيح بويضتين مختلفتين ويسمى "التوائم غير المتماثلة" وتكون نسبة التشابه بين أفراد هذا النوع في الخصائص أقل من درجته بالنسبة للتوائم المتماثلة.وقد أجرى الباحث الألماني "لانج Lange" وكان طبيباً للأمراض العقلية دراسته على عدد من التوائم المتماثلة وعدد آخر من التوائم غير المتماثلة. وكان الهدف من هذه الدراسة وغيرها في هذا المجال هو إظهار مدى التشابه أو الاختلاف بين التوائم من حيث السلوك الإجرامي.وقد أظهرت نتائج هذه الأبحاث أن التشابه في السلوك الإجرامي بين التوائم المتماثلة بلغ نسبة مرتفعة في حين كانت النسبة منخفضة فيما يتعلق بالتوائم غير المتماثلة.وقد أكد الباحثون في هذا المجال على دور الوراثة في الدفع إلى سلوك سبيل الجريمة خاصة فيما يتعلق بالتوائم المتماثلة.هذا وإن كانت هذه الدراسات تبرز دور العامل الوراثي في تفسير السلوك الإجرامي إلا أنه يجب الحذر من تعميم هذه النتائج خاصة إذا أخذ في الاعتبار عدم تقديم تفسير للحالات التي لا يتحقق فيها التوافق في السلوك الإجرامي بين التوائم ومنها المتماثلة، الأمر الذي يدل على أن البيئة المحيطة بالفرد تلعب دوراً هاماً في هذا المجال.وما يمكن استخلاصه من كافة الدراسات التي أجريت لبيان دور الوراثة في الظاهرة الإجرامية أن العوامل الداخلية تلعب دوراً ما في مجال تفسير الظاهرة الإجرامية وذلك عن طريق انتقال بعض الخصائص أو الإمكانيات وراثياً من الآباء إلى الأبناء تجعل لديهم استعداداً ما إلى ارتكاب الجريمة إذا تضافرت مع هذه الإمكانيات أو الخصائص الداخلية عوامل أخرى مستمدة من البيئة التي يعيش فيها الفرد. ولأن هذه الإمكانيات أو الخصائص لا تنتقل بالضرورة بنفس الدرجة من الأصول إلى الفروع، فإن احتمال ارتكاب الجريمة يختلف في الفروع عن الأصول وعليه فإن انتقال الاستعداد الإجرامي من الأصل إلى الفرع لا يتحتم أن يتحول بالضرورة إلى سلوك إجرامي إذا لم يصادف هذا الاستعداد بيئة محفزة ومهيئة لترجمة هذا الاستعداد الإجرامي إلى سلوك إجرامي بالفعل.التكوين العضوي
يقصد بالتكوين العضوي مجموعة الخصائص الجسدية أو البدنية الظاهرة التي تميز الشخص منذ ولادته. والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الخصوص يتعلق بما إذا كان لهذه الخصائص الجسدية الظاهرة دور في دفع الشخص إلى ارتكاب الجريمة من عدمه؟ وعما إذا كان المجرم يمكن تمييزه عن غيره بتوافر مجموعة معينة من الخصائص الجسدية أو البدنية يمكن من خلال ملاحظتها الاستدلال على شخصيته الإجرامية؟وفي سبيل البحث عن تفسير لما يمكن أن يوجد من علاقة بين التكوين البدني للفرد وبين ارتكاب الجريمة ظهرت العديد من النظريات. وكان أولى النظريات التي ظهرت في هذا الخصوص تمثلت في الأفكار التي تبناها العالم الإيطالي لومبروزو، حيث كان من بين أفكاره أن هناك نوع من المجرمين يتميز بخصائص جسدية معينة تجعل بينه وبين الإنسان البدائي الوحشى شبهاًُ كبيراً.وذكر أن من بين هذه الخصائص الجسدية وجود شذوذ في شكل الدماغ والوجه مثل كبر حجم الجمجمة وفرطحة الأنف، بالإضافة إلى كثافة شعر الصدر، اتساع في مدى طول الذراعين بالنسبة للبنية، البطء والخمول اللذين يغلبان على حركة الوظائف الداخلية لأعضائه، مناعة ضد الأمراض، عدم التأثر بالجروح وقلة في الإحساس الجلدي بالألم.وقد وجهت لهذه النظرية العديد من الانتقادات حيث أنها لم تنجح في وضع قانون عام يصلح أساساً لنظرية علمية في تفسير الظاهرة الإجرامية حيث أن ما قد ينسب من خصائص إلى المجرم بطبيعته قد يتوافر لدى غير المجرمين، وبناء عليه فإن من الصعوبة بمكان أن يتم الربط بطريقة حتمية بين وجود خصائص جسدية معينة وبين ارتكاب الجريمة. وفي محاولة للربط بين الخلل في أجهزة الجسم وبين الظاهرة الإجرامية ذهب "دي توليو" إلى أن الاستعداد الإجرامي لدى الشخص ينتج عن الاختلال أو المرض وبصفة خاصة الخلل أو الاضطراب في الغدد علاوة على ما يصاحب هذا الخلل من تأثير على الحياة النفسية.ولا يرجع "دي توليو" ارتكاب الجريمة لوجود هذا الخلل أو المرض كنتيجة مباشرة له وإنما يعتبر ذلك من قبيل توافر الاستعداد السابق أو الوضع المهيئ لارتكاب الجريمة، وعليه فإن ارتكاب الجريمة يرجع إلى وجود تفاعل بين هذا الخلل وبين الوسط أو البيئة المحيطة بالشخصية المصابة بالخلل؛ أي أن ارتكاب الجريمة يرجع إلى حالة من عدم التكيف بين التكوين الفطري للشخص والوسط الخارجي المحيط به.الجنـس
إذا كانت الدراسات التي أجريت عن العلاقة بين الجنس أو النوع وبين الظاهرة الإجرامية قد أثبتت اختلافاً واضحاً بين إجرام كل من المرأة والرجل سواء من حيث الكم أو الكيف، فإن التساؤل المطروح يدور حول السبب الذي يقف وراء هذا الاختلاف؟ وإذا تجاوزنا الجدل الذي ثار حول حقيقة هذا الاختلاف الكمي والنوعي بين إجرام الرجل والمرأة، نجد أن هناك اتجاهين أساسيين في تفسير هذا الاختلاف.يعتمد الاتجاه الأول على الاختلاف البيولوجي أي الاختلاف في التكوين البدني والنفسي لكل من الرجل والمرأة، في حين يعتمد الاتجاه الثاني في تفسير هذا الاختلاف على ظروف البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها كل منهما.Û أولاً : التفسير البيولوجي أو التكوينيوهذا التفسير يقوم على أساس أن المرأة تختلف عن الرجل من ناحية التكوين البدني والنفسي، فإذا ما نظرنا إلى أن تكوين المرأة أضعف بدنياً من الرجل، دل ذلك على قلة إقدامها على ارتكاب جرائم العنف، أو على التجائها إلى وسائل سهلة إذا ما أقدمت على ارتكاب هذه النوعية من الجرائم مثل القتل بالسم. ومن الناحية النفسية فإن التغيرات الفسيولوجية التي تمر بها المرأة في فترات مختلفة من حياتها والمرتبطة في الأصل بطبيعتها كأنثى كالحمل والوضع والرضاعة وفترات الحيض، هذه التغيرات تقف وراء ارتكابها نوعية معينة من الجرائم.ورغم وجاهة هذا التفسير فإنه يجب النظر إليه على أنه تفسير جزئي للاختلاف بين إجرام الرجل والمرأة حيث أنه لا يجب إغفال دور البيئة الاجتماعية والظروف التي تعيش فيها المرأة والتي قد تدفعها إلى ارتكاب نوعية معينة من الجرائم. وهو ما سيتضح من دراسة التفسير الاجتماعي لاختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل.ولكن قبل استعراض التفسير الاجتماعي لاختلاف إجرام كل من الرجل والمرأة، فإنه تجدر الإشارة إلى أن هناك رأياً يرى أن اختلاف الجنس في حد ذاته لا يمكن اعتباره سبباً للإجرام، وأنه رغم التسليم بوجود اختلاف في طابع الإجرام عند الرجل عنه عند المرأة فإن هذا الاختلاف لا يعكس سوى حقيقة مسلم بها وهي اختلاف التكوين البيولوجي لكل من الرجل والمرأة. فاختلاف طابع الإجرام أمر مختلف تماماً عن البحث في سبب الإجرام. ويخلص هذا الرأي إلى أنه يجب بحث الاختلاف بين إجرام الرجل والمرأة ضمن عامل التكوين البدني والنفسي. وهذا الرأي في نظر قائله يصدق كذلك على دراسة عامل السن باعتبار أن اختلاف كل مرحلة عمرية للشخص تصاحبها اختلافات بيولوجية تتعلق بالتكوين البدني والنفسي للشخص.Û ثانياً : التفسير الاجتماعييستند هذا الاتجاه في تفسير اختلاف إجرام الرجل عن إجرام المرأة إلى طبيعة الظروف الاجتماعية التي يعيش فيها كل منهما. فضآلة الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع وعدم خروجها إلى الحياة العامة هو الذي يقلل من فرص ارتكابها للجريمة. وعليه فإن الفجوة بين إجرام كل من الرجل والمرأة تضيق كلما لعبت المرأة دوراً كبيراً في المجتمع وشاركت بصورة إيجابية في نواحي الحياة المختلفة لأن ذلك يجعلها عرضة للاحتكاك بالغير. ومن ناحية أخرى يرجح البعض اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل إلى طريقة تربية الأولاد الذكور والإناث؛ حيث يتم التركيز على ضرورة احترام البنت للعديد من القواعد الأخلاقية والاجتماعية مما يقلل لديها القدرة على انتهاك هذه القواعد وبالتالي انخفاض نسبة ارتكابها للجريمة.وما يمكن أن نستخلصه من استعراض الاتجاهات السابقة في تفسير اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل هو أنه يجب عدم إغفال أي من الاعتبارات أو التفسيرات السابقة، بل إنه يجب النظر إليها نظرة تكاملية وعدم الاستناد إلى أحد هذه التفسيرات على سبيل الانفراد. فقد خلص الفقه الحديث إلى أن اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل يرجع في حقيقة الأمر إلى اختلاف التكوين البدني والنفسي لكل منهما وفي نفس الوقت إلى طبيعة الظروف الاجتماعية التي تعيشها المرأة والتي تحدد حجم الدور الذي تلعبه في المجتمع.الســن
يمر الإنسان في حياته بمراحل عمرية عديدة، وتختلف خصائص الفرد من حيث التكوين البدني والنفسي في كل مرحلة من هذه المراحل العمرية. كما أن للبيئة المحيطة بالفرد دور هام في تحديد اتجاهات سلوكه في كل مرحلة عمرية.ومن أهم المراحل التي يمكن التعرض لها لبيان مدى ارتباطها بالظاهرة الإجرامية كماً وكيفاً مرحلة الطفولة، مرحلة المراهقـة، مرحلة النضوج ومرحلة الشيخوخة.Û أولاً : مرحلة الطفولةتمتد هذه المرحلة حتى سن الثانية عشرة، وتتميز الفترة من التاسعة إلى الثانية عشرة بخطوات نحو الاستقرار النفسي والانتظام في الحياة المدرسية. وخلال هذه المرحلة لا تظهر أفعال إجرامية إلا على سبيل الاستثناء، ويرجع ذلك للضعف الذي يميز الطفل في هذه السن، بالإضافة إلى محدودية الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل في هذه السن المتقدمة.وفي حالة رصد حالات إجرامية في هذه السن فإنها غالباً تتركز حول ارتكاب جرائم الأموال مثل السرقة التي تتم داخل محيط الأسرة.Û ثانياً : مرحلة المراهقةتمتد هذه المرحلة من الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة، وأهم ما يميزها هو البلوغ الجنسي بما يصاحبه من نمو بدني وذهني وتغيرات نفسية نتيجة الزيادة في إفرازات الغدد.هذه التغيرات البيولوجية والفسيولوجية، علاوة على ما يصاحبها من اتساع مساحة العلاقات الاجتماعية للحدث وتنوع الوسط البيئي والاجتماعي الذي يتعامل معه الحدث، تزيد من نسبة ارتكاب الجريمة. هذا من ناحية الكم، أما من ناحية الكيف فإن جرائم الحدث في هذه المرحلة تدور حول ارتكاب جرائم الأموال وكذلك ارتكاب الجنسية الأخلاقية مثل هتك العرض والاغتصاب.Û ثالثاً : مرحلة النضوجتمتد هذه المرحلة المركبة من الثامنة عشرة إلى الخمسين. وداخل هذه المرحلة يمكن التمييز بين ثلاثة مراحل، الأولـىوتعرف بالنضج المبكر وتمتد من الثامنة عشرة إلى الخامسة والعشرين، الثانيــة :وتعرف بالنضج المتوسط وتمتد من الخامسة والعشرين إلى الخامسة والثلاثين، والثالثــة :وتعرف بالنضج الكامل وتمتد من الخامسة والثلاثين إلى الخمسين.وفي مرحلة النضج المبكر تصل الاضطرابات الفسيولوجية والنفسية المتصلة بمرحلة المراهقة إلى نهايتها حيث تبدأ مرحلة الشباب. وفي هذه المرحلة يستمر ارتفاع معدل جرائم الأموال وذلك بظهور نوعية جديدة من هذه الجرائم مثل النصب وخيانة الأمانة.وكذلك يلاحظ ارتفاع نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص مثل الضرب والجرح والضرب المفضي إلى الموت وجرائم القتل، كذلك جرائم القتل الخطأ المرتبط بقيادة السيارات. كما ترتفع نسبة جرائم الفعل الفاضح إلى أعلى معدلاتها.أما في مرحلة النضج المتوسط، فإن ملامح الشخصية تقترب من صورتها النهائية حيث يتجه الفرد إلى النشاط والحيوية في عمله لتحقيق الاستقرار المهني والمالي مع شعوره بالحاجة إلى الحياة العاطفية لتحقيق الاستقرار العائلي.ويأخذ منحنى الإجرام في بداية الهبوط خلال هذه المرحلة مع استمرار ارتكاب نوعية معينة من الجرائم مثل جرائم النصب والسرقة والقتل الخطأ المرتبط بحوادث الطرق وقيادة السيارات.أما مرحلة النضج الكامل فهي تتميز بذروة النمو في الإمكانات الذهنية والنفسية، وكذلك تأخذ الحياة طابع الاستقرار على كافة المستويات المهنية والاجتماعية والعائلية.ويلاحظ على هذه المرحلة هبوط نسبة الإجرام بصفة عامة مع ملاحظة أن جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار تبلغ ذروتها في هذه المرحلة خاصة وأن هذه النوعية من الجرائم لا تحتاج إلى مجهود عضلي لارتكابها.Û رابعاً : مرحلة الشيخوخةوداخل هذه المرحلة يمكن التمييز بين مرحلتين:الأولـي :وتعـرف بمرحلة السن الحرجة وتمتد من الخمسين وحتى الستين أو الخامسة والستين في بعض الأحيان،الثانيـة : مرحلة الشيخوخة بالمعنى الضيق وتمتد من الستين أو الخامسة والستين وحتى نهاية العمر.وفي مرحلة السن الحرجة يبدأ الضعف من الناحية البدنية والذهنية وكذلك تضعف الغريزة الجنسية، ويصاحب هذه المرحلة عدم الإحساس بالأمان وعدم الرضا عما حققه الشخص في حياته. أما في مرحلة الشيخوخة فإنها تتميز بهرم الخلايا وضعف الحواس وهبوط في العاطفة مع استقرار الشعور باليأس.ومرحلة الشيخوخة بمعناها الواسع يصاحبها هبوط حاد في معدل الجرائم خاصة تلك التي تحتاج إلى مجهود بدني وعضلي كجرائم الاعتداء على الأشخاص وكذلك جرائم السرقة بإكراه.ولكن يلاحظ ارتكاب بعض الجرائم المرتبطة بما قد يحدث خلال هذه المرحلة من انحراف في سير الغريزة الجنسية مثل جرائم هتك العرض والاغتصاب خاصة ما يقع منها على أطفال صغار السن.ويستخلص من هذا التقسيم لمراحل العمر أن هناك علاقة بين السن وبين الإجرام حيث لوحظ أن كل مرحلة عمرية تتميز بنوع معين من الإجرام كما أن نسبة الإجرام من حيث الكم تختلف انخفاضاً وزيادةً حسب المرحلة العمرية التي يمر بها الفرد. ولكن بالتدقيق في هذا الشأن نجد أن كل مرحلة عمرية تتميز بخصائص بيولوجية وفسيولوجية معينة تنعكس بدورها على التكوين البدني والنفسي للفرد، بحيث يمكن القول أن هذا التغير البيولوجي باعتباره عاملاً داخلياً دافعاً لارتكاب الجريمة هو الأساس في تفسير اختلاف نوع وكم الإجرام من مرحلة عمرية إلى مرحلة عمرية أخرى في حياة الفرد.ورغم صحة هذا التفسير إلا أنه يصعب الأخذ به كلية وإهمال دور البيئة المحيطة والعامل الاجتماعي وتأثيرهما على توجيه سلوك الفرد نحو الجريمة بما يتلاءم مع المرحلة العمرية التي يمر بها. ويمكن التدليل على أهمية دور البيئة الاجتماعية والوسط الذي يختلط به الفرد بدراسة مرحلتين هامتين من المراحل العمرية وهما مرحلة المراهقة ومرحلة الشيخوخة.1- إجرام الأحداثمن أهم العوامل البيئية الاجتماعية التي تساعد على انحراف الحدث ما قد يتعرض له الحدث في هذه المرحلة من تشرد وفقر وجهل وغياب للقدوة الحسنة ومصاحبة رفقاء السوء. فعندما تصادف هذه العوامل الخارجية ما يصيب الحدث في هذه المرحلة العمرية من اضطرابات نفسية وتغيرات فسيولوجية مع عدم النضوج الذهني والرغبة الجارفة في الاستمتاع بالحياة، كل ذلك يدفع الحدث إلى ارتكاب الجريمة، ولذلك نجده يبحث عن إشباع نزواته وغرائزه باللجوء إلى السرقة من منزله أو من الخارج، كذلك ارتكاب الجريمة الجنسية رغبة في إشباع غريزته الجنسية في هذه المرحلة المضطربة جنسياً، كما أنه قد يلجأ إلى ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص خاصة التشاجر مع الغير وهذا قد يعوض لديه شعوراً بالحرمان مما يجده متوافراً لدى الآخرين.2- إجرام الشيوخإذا كان للتغيرات البيولوجية الداخلية دور كبير في تحديد نوع وكم إجرام الشيوخ، فإن إجرام الشيوخ يمكن تفسيره كذلك على أساس اجتماعي نابع من البيئة الخارجية المحيطة بالفرد في هذه المرحلة العمرية.فالملاحظ أن العلاقات الاجتماعية للفرد في مرحلة الشيخوخة تتقلص بشكل ملحوظ ويقل نشاطه المهني وقد يتوقف تماماً، وهذا كله يجعله حبيس نوع معين من العزلة عن المجتمع. وإذا أضفنا إلى ذلك الضعف العام الذي يصيب الفرد في مرحلة الشيخوخة من الناحية البدنية بصفة خاصة، نجد أن الشيخ يلجأ إلى ارتكاب نوعية معينة من الجرائم رغبة منه في إثبات الذات أو التأكيد على أن وجوده وبقاءه في الحياة مازال له أهمية – وذلك كله قد يدفعه لارتكاب جرائم معينة مثل النصب وخيانة الأمانة أو الاشتراك في بعض الجرائم مثل إخفاء الأشـياء المسروقة أو المتحصلة من بعض الجرائم التي يرتكبها الغير.وفي ذات التوجه يلجأ الفرد في هذه السن المتأخرة إلى ارتكاب جرائم اعتداء على العرض خاصة مع صغار السن وتفسير ذلك أن انهيار قوته الجنسية تجعله يخجل أو يجبن عن التعبير عنها بصورة طبيعية مع امرأة تقترب من سنه.