تطبيقات
السؤال الأول :
عرف الدولة, ثم اشرح عنصر الإقليم, و النظريات المختلفة فى تفسير دور الإقليم؟
الحــــــل
اولاً :- تعريف الدولـــة
لاصطلاح الدولة في اللغة الدارجة عدة معان: ففي معنى أول، وهو أوسع المعاني، تعني كلمة الدولة مجموعة منظمة قاعدتها الاجتماعية الأمة، وهذا هو المعنى المقصود عندما نقول أن مصر والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا الاتحادية دول: والمعنى الثاني أضيق من ذلك ويراد به الحكام بالمقابلة للمحكومين داخل المجتمع السياسي، وهذا هو المعنى المقصود عندما نقول أن الدولة تسيطر أو أن الدولة عاجزة عن حل مشاكل المجتمع، أما المعنى الثالث وهو أكثر ضيقاً فتشير فيه كلمة الدولة إلى جزء من السلطات العامة وهو السلطة المركزية بالمقابلة للسلطة المحلية أي المحافظات والمدن والقرى، وهذا هو المعنى المقصود عندما نقول أن السلطات المحلية عليها تنفيذ الخطة العامة للدولة.
والدولة بمعناها الواسع هي تجمع بشري مرتبط بإقليم محدد يسوده نظام اجتماعي وسياسي وقانوني موجه لمصلحته المشتركة، تسهر على المحافظة على هذا التجمع سلطة مزودة بقدرات تمكنها من فرض النظام ومعاقبة من يهدده بالقوة.
يبين من هذا التعريف للدولة أن اصطلاح الدولة ينطبق عندما تجتمع العناصر الأربعة التالية:
تجمع بشري:
إقليم يرتبط به التجمع البشري.
سلطة توجه المجتمع.
نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي وقانوني يتمسك التجمع بتحقيقه.
ثانياً:- عنصرالإقلـــيم :
أهمية الإقليم:
إن التجمع البشري، أي الأمة، يرتبط بإقليم محدد هو إقليم الدولة. فالدول هي أشكال إقليمية ويعتبر الإقليم هو العنصر المادي الثاني للدولة؛ إذ يقابل الملايين من البشر ملايين من الكيلو مترات المربعة أو الآلاف منها. وهذا العنصر ليس كمياً فحسب، لأن الارتباط بالأرض أساسي بالنسبة للدولة. إن هذا الارتباط بالأرض مضافاً إلى عدد السكان هو الذي يميز كل دولة ويعطيها شخصية مستقلة عن الدول الأخرى. وترتبط أغلب المجتمعات بإقليم لأن حياة الأفراد لا يمكن أن تكون في الفراغ، وإن اختلفت أهمية الأرض بالنسبة للفرد من حضارة إلى أخرى. ففي عصرنا الحاضر يمكن للفرد أن يمارس مهنة دون أن يكون مرتبطاً بقطعة أرض، وذلك باستثناء الأوساط الريفية التي تعتبر الأرض بالنسبة لها عنصراً أساسياً.
أما الدولة فهي أساساً ظاهرة إقليمية، لأن الدولة هي شكل جغرافي للحياة الاجتماعية فالإقليم هو الأساس الذي تتحول على أرضه الشعوب إلى وحدات منظمة متجانسة، بعد أن كانت هائمة غير مستقرة. وهذا الإقليم هو الذي يحدد مدى وحدود السلطة العامة، وطبيعة الخدمات الواجب عليها القيام بها، وهو يحدد مكان كل فرد من المجتمع من حيث انتماؤه إلى طبقة معينة مالكة للأرض أو ممارسة لمهنة معينة.
ويرفض الفقه المعاصر نظرية ديجي الذي كان يتصور إمكان التمايز سياسياً في الفراغ. ويرى المفكرون المعاصرون أنه بدون أساس جغرافي يبدو الشعب كما لو كان سائراً في الهواء، مثل الرسوم الصينية التي تنتشر على اللوحات دون أن تكون لها أرض تستقر عليها.
حقاً إنه في بعض الحالات يكون إقليم الدولة مفتقداً أو مهجوراً بصفة مؤقتة: فمثلاً المهاجرون الأوائل إلى أمريكا عقدوا اتفاقاً بينهم لتأسيس دولة مستقبلة، واعتبر هذا الاتفاق فيما بعد دستورهم، أي أنهم كانوا يملكون التنظيم السياسي، ولكن هذا لم يكن يعني استغناءهم عن الأرض بل على العكس كانوا يتطلعون إلى الأرض ليستقروا عليها فتكتمل عناصر الدولة. وفي المقابل يمكن أن تكون هناك دولة وتستمر رغم ترك الإقليم مثلما حدث للأثينيين الذي هاجروا من مدينتهم أثينا مستقلين سفينة في السنة 480 قبل الميلاد، تاركين أثينا لملك الفرس الفاتح، ومثلما يحدث في العصر الحديث بالنسبة للحكومات التي تنشأ في المنفى، وعلى وجه التحديد حكومات المنفى التي أنشئت خلال الحربين العالميتين. ولكن هذه الأمثلة لا تعني أن عنصر الإقليم غير هام، بل على العكس إنها تؤكد أهميته الأساسية في تكوين الدولة.
إن حياة الدولة تستمد جذورها من الأرض. فالأرض هي التي تحدد مصائر الشعوب بقسوة عمياء. ولذا فإن الدول العظمى هي دول ترتكز على أرض واسعة غنية.
وعلى ذلك فإن العناية بإقليم الدولة واستغلاله وشق الطرق وإصلاح الأراضي وتمهيدها ومد المرافق وحماية البيئة من التلوث تعد من أهم الوظائف التي تعنى بها جميع الدول إلى حد تخصيص وزارة أو أكثر من أغلب الحكومات المعاصرة لهذه المهام، وهي تسمى وزارة إعداد التراب الوطني أو الإنشاء والتعمير أو استصلاح الأراضي أو تهيئة البيئة حسب الأحوال. وتعتبر درجة العناية بإقليم الدولة معياراً للحكم على مدى تقدم الدولة.
وكل ما يتعلق بإقليم الدولة له أهمية كبرى تثير أعقد المشاكل على المستوى الدولي. فحدود الدولة موضحة في المعاهدات، ومثبتة على الأرض بواسطة لجان فنية مخصصة. ويعتبر هجوم قوات أجنبية على إقليم الدولة حادثاً على درجة كبيرة من الخطورة. وقد كان الطيران في المجال الجوي لدولة أجنبية ممنوعاً على الطائرات المدنية في فترات الحرب، وظل هذا الوضع قائماً ولم يتغير إلا منذ إبرام اتفاقية 13 أكتوبر سنة 1919 التي حلت محلها اتفاقية شيكاغو 7 ديسمبر سنة 1944.
مكونات الإقليم:
· إقليم الدولة هو جزء من الكرة الأرضية تمارس الدولة عليه سيادتها وهو يتكون من قطاع يابس من الأرض وما يعلوه من فضاء،· وما يحيط به من الماء.
· العنصر البري من إقليم الدولة: يشمل العنصر البري من إقليم الدولة الجزء اليابس من الأرض الذي تضمه حدود الدولة وما ينطوي تحته من طبقات،· وما يقوم عليه من معالم الطبيعة كالجبال والتلال والبحيرات والأنهار والقنوات.
· وتمتد حدود الدولة في خطوط مستقيمة خيالية إلى مالا نهاية في العمق لتضم إلى الجزء المسطح من الأرض كل ما يوجد تحته من طبقات. وقد كان هذا الامتداد ذا أهمية ضئيلة في العصور القديمة،· إذ كان الإنسان لا يصل في استغلاله لباطن الأرض إلا إلى العمق اللازم للزراعة،· وهو عمق بسيط. ومع تقدم العلم أخذ الإنسان يبحث عن موارد الطبيعة في باطن الأرض. ومن هنا بدأت العناية بما يطويه باطن الأرض من الثروات والموارد المختلفة وأهمها الفحم والمعادن لعل أهمها في العصر الحالي البترول.
· العنصر البحري في إقليم الدولة: عنصر البحر ليس عنصراً من عناصر أقاليم كل الدول إذ يتوقف وجود هذا العنصر على الواقع الجغرافي للدولة. فهناك دول يطل إقليمها البري على بحر واحد أو عدة بحار مثل استراليا وإنجلترا. وهناك دول لا تطل على أي بحر مثل سويسرا والمجر ونيبال وأفغانستان والفاتيكان. وتطل أرض مصر على البحر الأبيض شمالاً وعلى البحر الأحمر شرقاً.
· وترجع أهمية البحار والمحيطات إلى اعتبارات اقتصادية وسياسية. وقد ازداد الاهتمام بقوانين البحار خلال القرن العشرين. وعقدت الأمم المتحدة سلسلة من المؤتمرات لتقنين قواعد القانون الدولي المتعلقة بالبحار بدأت بمؤتمر الأمم المتحدة الأول لقانون البحار في جنيف سنة 1958 ولا زالت جهود منظمة الأمم المتحدة متصلة في هذا المجال. وفي عام 1958 تم وضع اتفاقيات جنيف حول قانون البحار.
· ويخضع البحر الإقليمي لسيادة الدولة. ولذا من الواجب تحديد مدى البحر الإقليمي وكيفية قياسه. وقد ظهر في مؤتمر جنيف الثاني المنعقد سنة 1960 تياران أحدهما يطالب بتحديد عرض البحر الإقليمي بستة أميال بحرية والثاني يطالب بأن يكون هذا المدى إثنى عشر ميلاً بحرياً. ولم يتم الاتفاق على أي من الاقتراحين. وبذلك ظل امتداد البحر الإقليمي مختلفاً عليه بين الدول. وتقوم كل دولة بإصدار التشريعات اللازمة لتحديد مدى امتداد بحرها الإقليمي،· وتكشف وثائق مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار على أن مسافة إثنى عشر ميلاً هي الحد الأقصى لامتداد البحر الإقليمي،· كما أن لكل دولة شاطئية منطقة بحرية قد تمتد إلى 200 ميل بحري تبسط عليها إشرافها لحماية مصالحها الاقتصادية ومن بينها استغلال الثروة السمكية والمعدنية.
· كانت مصر في مؤتمر لاهاي المنعقد سنة 1930 من أنصار تحديد امتداد المياه الإقليمية بثلاثة أميال بحرية على شرط أن يتم الاعتراف بمنطقة متاخمة لهذه المياه.
· غير أنها اتخذت. موقفاً مغايراً في أعقاب حرب فلسطين وأصدرت تشريعاً هو المرسوم الملكي الصادر في 15 يناير سنة 1951 حدد امتداد البحر الإقليمي بستة أميال.
· وبعد العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956 صدر القرار الجمهوري رقم 180 لسنة 1958 باحتساب مدى البحر الإقليمي بإثنى عشر ميلاً بحرياً. كما أيدت مصر في مؤتمر جنيف الثاني سنة 1960 مسافة الإثنى عشر ميلاً بحرياً كامتداد البحر الإقليمي.
· عنصر الهواء والفضاء في إقليم الدولة: يشمل إقليم الدولة،· إلى جانب العنصر البري والعنصر البحري،· عنصراً ثالثاً هو عنصر الهواء والفضاء اللذين يعلوان البر والبحر الخاضعين لسيادة الدولة: ولم يكن عنصر الهواء والفضاء يثير مشاكل حتى مطلع القرن العشرين؛ إذ كان المبدأ السائد هو أن من يملك الأرض يملك ما تحتها ويملك ما فوقها. ولما كان الفضاء قبل القرن العشرين خارجاً عن الاستعمال حسب إمكانيات العصر فقد ظل المبدأ المشار إليه نظرياً بحتاً لا يثير إشكالاً.
· غير أن الاهتمام بدأ يتزايد بتنظيم استعمال الهواء بعد نجاح الطيران واستعماله في الأغراض السلمية ثم الأغراض الحربية إبان الحرب العالمية الأولى،· وقد انعقد مؤتمر باريس على إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1919 وانتهى المؤتمر بإبرام اتفاقية باريس في 13 أكتوبر 1919 وقد غلبت هذه الاتفاقية مبدأ سيادة الدولة على طبقات الهواء التي تعلو إقليمها مع التزام الدول المتعاقدة بمنح حق المرور البريء في إقليمها الهوائي للطائرات التابعة للدول المتعاقدة.
· ونظراً لقصور اتفاقية باريس فقد سعت الدول بعد الحرب العالمية الثانية إلى إبرام اتفاقية تنظيم الوضع القانوني للهواء والفضاء. وعقدت لهذا الغرض اتفاقية شيكاغو في 7 ديسمبر سنة 1944.
· قررت اتفاقية شيكاغو في المادة الأولى أن الهواء عنصر تابع لإقليم كل دولة وخاضع لسيادتها الكاملة والانفرادية.
· أما فيما يتعلق بالملاحة الجوية الدولية فقد انتهى مؤتمر شيكاغو إلى وضع اتفاقيتين مختلفتين وترك لكل دولة من دول المؤتمر حق اختيار التوقيع على أي منهما: أطلق على الاتفاقية الأولى اسم اتفاقية الحريتين وأطلق على الاتفاقية الثانية اسم اتفاقية الحريات الخمس.
· غير أن المبدأ المقرر في الاتفاقيات الدولية والذي يقرر السيادة الكاملة والانفرادية للدولة على طبقات الهواء والفضاء التي تعلو إقليمها إلى مالا نهاية مبدأ نظري يشكك فقهاء القانوني الدولي العام في قيمته من الناحية الواقعية ويؤكدون عدم استقامته مع الحقيقة الجغرافية والتي مؤداها أن الأرض تدور حول نفسها دورة كاملة كل يوم،· كما ينبهون من ناحية أخرى إلى عدم ملاءمته للأوضاع التي ترتبت على التقدم العلمي الحديث.
· فالصواريخ والأقمار الصناعية والسفن الهوائية التي أطلقتها بعض الدول المتقدمة في الفضاء تخترق طبقات الهواء والفضاء التابعة لكل دول المعمورة وتعبرها مرات عديدة،· ويتم ذلك دون أن تحصل الدولة التي تطلق هذه الأجهزة على إذن من الدول التي تمر في هوائها أو فضائها،· ويلاحظ الفقهاء أن الدول تلتزم موقفاً سلبياً في هذا المجال.
· ولذلك ينتهي الفقه المعاصر إلى استخلاص نتيجتين هامتين: النتيجة الأولى أن مبدأ سيادة الدولة على هوائها وفضائها إلى مالا نهاية في الارتفاع سيادة كاملة وانفرادية صار مبدأ متخلفاً لا يتواءم مع طبيعة الأشياء أو الأوضاع الراهنة. والنتيجة الثانية أنه لا يمكن أن يعد الهواء والفضاء إلى مالا نهاية في الارتفاع عنصراً من عناصر الإقليم،· بل يجب أن يحدد هذا العنصر بارتفاع معين. ويتوقف هذا الارتفاع على المدى الذي تستطيع الدولة إخضاعه لسيطرتها،· أما ما يعلوه فيبقى حراً طليقاً.
النظريات المتعلقة بدور الإقليم في الدولة:
v لتفسير ماهية الدور الذي يلعبه في الوقت الراهن الإقليم بالنسبة للدولة توجد عدة نظريات: نظرية الإقليم عنصر من عناصر وجود الدولة،v ونظرية الإقليم موضوع نشاط الدولة،v ونظرية الإقليم حد لنشاط الدولة.
· النظرية الأولى: الإقليم عنصر من عناصر شخصية الدولة هذه النظرية تواجه إقليم الدولة باعتباره أحد عناصر شخصية الدولة لأنه بغير الإقليم لا يمكن أن توجد الدولة،· وبالتالي لا يمكن أن تعبر الدولة عن إرادتها. وفي الواقع إن ما يميز إرادة الدولة أياً كانت وسيلة التعبير عن هذه الإرادة (بالمعاهدات أو القوانين)،· هو أنها إرادة مستقلة ذات سيادة. ولكن هذه السيادة لا يمكن التعبير عنها إلا داخل حدود إقليم،· ومن ثم يصبح الإقليم عنصراً في إرادة وشخصية الدولة.
v النظرية الثانية: الإقليم موضوع نشاط الدولة تعتبر هذه النظرية الإقليم بمثابة المجال الذي تمارس عليه الدولة حقوقها وسلطاتها.
v النظرية الثالثة: الإقليم حد لنشاط الدولة.
v وهذه النظرية ترى في الإقليم الدائرة أو المجال الذي يمكن للدولة بداخله ممارسة نشاطها،v ويحظر عليها التصرف خارجه.
v وفي رأينا أن هذه النظريات متكاملة وليست متعارضة. فالإقليم يجمع بين المعاني الثلاثة السابقة. فنحن إذا نظرنا إلى الإقليم من حيث شخصية الدولة فلا شك أن شخصية الدولة لا تكتمل إلا بالإقليم،v وبالتالي لا يمكن لها أن تعبر عن إرادتها إلا إذا توفر هذا العنصر من العناصر المكونة لشخصيتها. وإذا نظرنا إلى الإقليم من زاوية وظائف الدولة،v وجدنا أن الإقليم هو المجال الذي تمارس فيه الدولة اختصاصاتها وسلطاتها. أما إذا نظرنا إلى الإقليم من زاوية الحدود المادية على نشاط الحكام،v فإن الإقليم يمثل حداً إذا تعداه الحكام ارتكبوا عملاً تترتب عليه نتائج خطيرة،v على المستويين الدولي والداخلي.
السؤال الثانى :-
عرف الدولة ثم اشرح الأمة و دورها فى تكوين الدولة؟
الحـــــــــل
اولاً:-المقصود بالدولة:-
الدولة، كما سبق أن عرفناها، هي تجمع بشري مرتبط بإقليم محدد يسوده نظام اجتماعي وسياسي وقانوني موجه لمصلحتها المشتركة، وتسهر على المحافظة على هذا التجمع سلطة مزودة بقدرات تمكنها من فرض النظام ومعاقبة من يهدده بالقوة.
فالعناصر اللازمة لتكوين دولة هي:
تجمع بشري.
إقليم يرتبط به التجمع البشري.
سلطة توجه المجتمع.
نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي وقانوني يتمسك المجتمع بتحقيقه.
ثانياً:- تعريف الأمــة ودورها فى تكوين الدولة:
يقصد بالأمة : تجمع أفراد يشعرون أنهم متحدون تربطهم صلات مادية وروحية، تجعلهم يحسون باختلافهم وتمايزهم عن الجماعات الوطنية الأخرى.
وأمام تعقد العوامل التي تتكون تحت تأثيرها الأمم ظهرت عدة نظريات في القرن التاسع عشر تتعلق بالعوامل التي تكون الأمم. ولعل أهم هذه النظريات النظرية الألمانية والنظرية الفرنسية. وتعتبر الأولى نظرية موضوعية بينما يمكن وصف النظرية الثانية بأنها نظرية شخصية.
تتسم النظرية الألمانية الموضوعية بالحتمية والحتمية تعني أن كل واقعة لها سبب وأنه في الظروف المتشابهة تؤدي نفس الأسباب إلى نتائج واحدة. وعلى ذلك ففي رأي النظرية الألمانية تعتبر الأمة هي الناتج الضروري لعناصر موضوعية هي: الجغرافيا، واللغة، والدين، وأيضاً وبصفة خاصة الجنس.
أما النظرية الفرنسية فتصطبغ بالصبغة الشخصية الإرادية والإرادية تعني أن الإرادة تتدخل في كل حكم أو حدث وأن عدم وجود الإرادة يجعل الأمر معلقاً وغير مكتمل. وعلى ذلك فإن النظرية الفرنسية ترى أن عناصر السلالة والدم والجنس لا تكفي لتكوين أمة، وأنه يتعين فضلاً عن هذه العناصر أن تقوم بين أفراد الأمة روابط المصلحة المشتركة والتاريخ المشترك والرغبة في الحياة المشتركة. وقد عبر موريس هوريو عن هذه النظرية بعبارته الأخاذة « الأمة هي عقلية ».
ازدهرت النظرية الألمانية منذ غليوم الثاني وحتى نهاية الرايخ الثالث وكانت وراء إنشاء « الإمبراطورية الألمانية » (من القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية). وتبناها بعض المفكرين خارج ألمانيا وهي تنادي بوجود تدرج بين الأجناس البشرية. في القمة يوجد الجنس الآري الخالص، وفي أسفل السلم توجد الأجناس الملونة. وترى أن الجنس الآري الخالص الذي لم يختلط بغيره منذ عصور ما قبل التاريخ هو الجنس الألماني أي الأمة الألمانية. غير أن النظرية الألمانية لم يعد ينادي بها أحد خارج ألمانيا أو حتى داخلها. وبذلك أصبحت النظرية الفرنسية عن الأمة هي السائدة، وهي في صورتها المعاصرة تأخذ في الاعتبار عدة عوامل:
أولاً: الأحداث التاريخية التي تمر بالأمة مثل الحروب والكوارث، وسنوات الرخاء والنجاح والانتصار. فروح الأمة تتكون من الذكريات المشتركة ذكريات الألم وذكريات السعادة.
ثانياً: وحدة المصالح وعلى رأسها المصالح الاقتصادية التي تنتج من التعايش على أرض واحدة.
ثالثاً وأخيراً: الإحساس بوحدة الفكر والروح. قد لا يكون الجميع منتمين إلى عقيدة واحدة، ولكنهم يشعرون شعوراً واحداً إزاء الأحداث.
الجنس واللغة والدين:
وإذا كان اتحاد الجنس واللغة والدين متوافراً في كثير من الأمم إلا أنه ليس شرطاً ضرورياً لوجود الأمة. فالأمة السويسرية ليست متحدة الجنس ولا اللغة ولا الدين إذ تتكون سويسرا من ثلاثة أقسام قسم فرنسي وقسم إيطالي وقسم ألماني. والأمة البلجيكية لها لغتان الفرنسية والفلاماندية. والولايات المتحدة خليط من أجناس مختلفة ولكن هذه الأجناس كانت لديها الرغبة المشتركة في العيش على الأرض الجديدة فكونت الأمة الأمريكية.
ومع ذلك لا ينكر أحد أهمية وحدة اللغة في تكوين الأمة الحديثة لأن وحدة اللغة وآدابها وما يتبعها من وحدة الثقافة تخلق جواً من التعاطف لا يخلقه في العصر الحديث عامل آخر.
أما عامل الدين فتختلف أهميته في العصور القديمة عن أهميته في العصر الحديث كان عامل الدين في العصور القديمة هو العامل الأول في تكوين الأمة. أما في العصر الحديث فإن حرية المعتقدات الدينية قد أصبحت سائدة وأهم من وحدة العقيدة بين أفراد الشعب. لذا ضعف أثر الدين باعتباره عاملاً من عوامل تكوين الأمة. غير أن عامل الدين هو أكثر العوامل تأثيراً في تكوين وحدة اليهود، كما أن الحركة الصهيونية وإن بدأت مصطبغة بصبغة قومية سياسية فإنها استغلت الدين اليهودي واصطبغت بصبغة دينية فيما بعد.
ويرى كثير من المفكرين الغربيين والمسلمين أن الدين الإسلامي سوف يكون له دور كبير في المجال السياسي في المستقبل القريب.
أهمية تعداد السكان:
الدولة هي، قبل كل شيء مجموعة بشرية تضم رجالاً ونساء من مختلف الأعمار: أطفال، ومراهقين، وبالغين، وشيوخ، وهؤلاء يتجمعون في أسرة، ثم في قرية، ثم في مدينة، ثم في محافظة. ومن هنا يبدو أن الدولة ليست مجتمعاً أولياً وإنما وحدة أعلى.
هذه الوحدة الأعلى تشمل الأسر ثم القرى ثم المدن، غير أن الدولة نفسها لا تنتمي إلى وحدة أعلى منها تضم عدة دول، وتنطوي على علاقات بين هذه الدول على نفس درجة قوة العلاقات داخل الدولة.
ومن ناحية أخرى تتميز الدولة بأنها ظاهرة كتل بشرية وهي بذلك تختلف عن المدن التي عرفتها الحضارات القديمة مثل الحضارة اليونانية فأثينا لم يتعد عدد سكانها نصف مليون نسمة. ولم يكن يتمتع فيها بصفة المواطن إلا 40 ألفاً، والباقي نساء وأطفال وعبيد. أما الدولة اليوم فتعداد سكانها بالمليون. ووحدة المليون هي الوحدة الصادقة بالنسبة لأغلبية الدول. غير أن الصين والولايات المتحدة والهند وروسيا يجري تعدادها بالمائة مليون. وتعداد الدول الأوربية الكبيرة تجرى بالعشرة ملايين.
وهناك تجمعات لا تتعدى المليون أي لا يزيد عدد سكانها عن سكان مدينة، وتتوافر فيها كل الشروط القانونية اللازمة لتكوين الدولة. ورغم توافر الخصائص القانونية للدولة في هذه التجمعات فإنها لا تتمتع بالثقل السياسي، أي أن قلة عدد السكان تؤثر في الوزن السياسي للدولة.
جدلية الأمة والدولة : (الأمة أسبق من الدولة):
لم يثر حتى أوائل القرن العشرين التساؤل عما إذا كانت الأمة أسبق من الدولة، أم الدولة أسبق من الأمة. كان في حكم الإجماع أن الأمة تنشأ قبل نشأة الدولة، وأن خاتمة تطور الأمة هو ميلاد الدولة التي تظهر لتبلور سياسياً وقانونياً الأمة. ومن الناحية التاريخية هذا ما حدث بالفعل في أغلب دول أوربا، فقد كانت الأمة تتكون ثم تتبعها نشأة الدولة: كانت الأمة الألمانية والأمة الإيطالية حقيقتين اجتماعيتين قبل أن تأخذ كل منهما شكل دولة.
من منطلق أسبقية الأمة على الدولة، حيث يشعر أفراد الجماعة المكونة للأمة بتمايزهم عن الجماعات الأخرى قبل أن يتحولوا إلى دولة، يثور سؤال هام: هل كل أمة تقابلها دولة؟
حقاً أن هذا السؤال لا يثور بالنسبة للبلدان التي يتقابل فيها وجود الأمة مع وجود الدولة مثل فرنسا ومصر وإيطاليا. غير أنه يوجد في أنحاء كثيرة من العالم: أمم موزعة بين عدة دول، كما توجد أمم مختلفة تضمها دولة واحدة. وعلى ذلك فإن مشكلة التقابل بين الأمة والدولة لها وجهان:
1- هل من حق كل أمة أن تكون دولة؟ من ناحية، أكد فكر الثورة الفرنسية حق كل أمة في أن تكون دولة، وتم تسجيل هذا في دساتير الثورة الفرنسية التي تجعل السيادة في داخل الدولة للأمة، كما تجعل الأمة مصدر السلطات. ومن ناحية أخرى، وعلى الصعيد الدولي، فقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 1514 الصادر في 14 ديسمبر سنة 1960 حق الشعوب في تقرير مصيرها .
إن مبدأ سيادة الأمة يحوي مزايا وأخطار. تتحصل المزايا في تحقيق المساواة بين الأمم المختلفة دون تمييز بينها. أما المخاطر فيمكن أن تتولد من تحول جميع الأمم إلى دول دون أن تتوفر الظروف والعوامل الجغرافية والاقتصادية والسياسية اللازمة لبقاء واستمرار الدولة. إن الأمم التي لا تملك العناصر الأخرى اللازمة لتكوين دولة، ليس من صالحها أن تتحول إلى دول، لأنها سرعان ما تنهار مع ما يجره هذا الانهيار من تقلبات ضارة. ولذا من الأفضل للأمم الصغيرة أن تعيش في كنف دولة لها كل المقومات اللازمة للبقاء. ومن هنا تتولد المشكلة الثانية التي نعرض لها في الفقرة التالية وهي مشكلة الأقليات.
2- في حالة وجود عدة أمم تعيش في كنف دولة واحدة فهل للأقليات حقوق داخل هذه الدولة.
نظمت اتفاقية باريس التي أبرمت في 3 مارس 1856 بعض الحماية للأقليات. ثم عمم هذا النظام في مؤتمر السلام عام 1919.
أكدت معاهدات 1919 حق الأقليات الدينية أو الجنسية أو اللغوية في:
(أ) حرية ممارسة الشعائر الدينية.
(ب) حرية استعمال لغتهم وتلقي التعليم بها.
(ج) المساواة في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.
وأدمجت هذه النصوص في المعاهدات التي وقعتها الدول المهزومة (النمسا وبلغاريا والمجر وتركيا ... الخ) وكذلك الدول الجديدة (بولونيا وتشيكوسلوفاكيا) غير أن هذه النصوص كانت لها قيمة على الصعيد الدولي، ولكن أغلب الدول رفضت أن تنشئ ضمانات داخلية لهذه الحقوق.
هذا النظام قد باء بالفشل في النهاية لأسباب عديدة.
- لم ترضخ أي من الدول الكبرى لهذا النظام، فبدأ كما لو كان استثناء.
- أدى إلى استمرار التقلبات في وسط أوربا. وأثارت بعض الدول الأوربية المشاكل بسبب رغبتها في حماية أقليات في دول مجاورة.
- كان مصير هذا النظام مرتبطاً بعصبة الأمم فقد ضعف واختفى باختفائها.
اكتفت اتفاقيات السلام بعد الحرب العالمية الثانية 1947 بفرض المبادئ على الدول المهزومة (بلغاريا، فلندة، المجر، إيطاليا، رومانيا). وتتلخص هذه المبادئ في ضرورة استمتاع جميع الرعايا بحقوق الإنسان وبالحريات الأساسية. غير أن عدم وجود رقابة دولية على تطبيق هذه المبادئ جعل منها نظاماً وهمياً