المحاضرة الرابعة
إدارة شركة التضامن
Uالمبادئ العامة:
لم يتضمن تقنين التجارة تنظيم أحكام إدارة شركة التضامن ، ولذا تطبق على إدارة شركة التضامن النصوص الواردة بالتقنين المدنى (المواد من 516 إلى 520) .
والأصل أن لكافة الشركاء الحق فى الاشتراك فى إدارة الشركة ، فإذا لم يوجد نص خاص أو اتفاق بين الشركاء على طريقة الإدارة اعتبر قانونا كل شريك مفوضا من الآخرين فى إدارة الشركة وتسيير شئونها ، وقد أخذ مشروع قانون الشركات بذات الحكم .
ويكون لأى من الشركاء فى هذه الأحوال مباشرة أعمال الشركة وتمثيلها قبل الغير دون رجوع إلى غيره من الشركاء ، وتكون تصرفاته ملزمة لباقى الشركاء وللشركة . ويحق لأى من الشركاء الاعتراض على أى عمل يقوم به شريك آخر بشرط أن يقع الاعتراض قبل إتمام العمل ، ولأغلبية الشركاء دائما رفض هذا الاعتراض واستمرار العمل .
وبالرغم مما تقدم ، فإن العمل يجرى على أن يعين الشركاء مديرا للشركة يتولى تسيير شئونها الداخلية وتمثيلها قبل الغير . وهذا المدير قد يكون معينا فى عقد تأسيس الشركة أو باتفاق لاحق . كما يمكن أن يكون المدير شريكا أو غير شريك ، ويختلف المركز القانونى للمدير باختلاف ما إذا كان غير شريك أو شريك ، وبحسب ما إذا كان معيناً فى العقد أم لا .
ويمكن أن يكون المدير شخصاً طبيعياً أوشخصاً معنوياً ، فهناك كثير من شركات الإدارة (Management Companies) المتخصصة بحيث يعهد إليها إدارة شركة أخرى وتوفير العمالة اللازمة ، ويمكن أن يكون المدير واحداً أو أكثر ، أى مديرين متعددين .
والشريك المدير يجب أن يكون مصرياً ، وذلك طبقا لنص المادة 4/1 من قانون السجل التجارى ، ولا يسرى هذا القيد على شركات التضامن الخاضعة لقانون ضمانات وحوافز الاستثمار ، كما أنه ليس هناك ما يمنع قانونا أن يكون المدير غير الشريك غير مصرى الجنسية .
والمدير – بحسب الأصل – وكيل عن الشركة ، وتتحدد سلطاته وصلاحياته فى هذا الإطار . وتنصرف آثار أعمال المدير إلى الشركة مباشرة وإلى عناصر ذمتها المالية سواء إيجاباً أو سلباً . ومع ذلك فإننا نرى أنه يجب أن يتوافر فى المدير الأهلية الكاملة إذ أن موكله شخص اعتبارى ينوب عنه المدير فى التعبير عن إرادته وتمثيله ومن هنا وجب أن يكون المدير كامل الأهلية .
وتعيين مدير للشركة لا يؤثر بأى حال من الأحوال فى حق الشركاء فى الرقابة على إدارة الشركة ، فالشركاء غير المديرين ممنوعون من الإدارة ، ولكن يجوز لهم أن يطلعوا بأنفسهم على دفاتر الشركة ومستنداتها، وكل اتفاق على غير ذلك يعد باطلا إذ أن الحق فى الرقابة هو أحد مقومات الشركة ، وأهم تطبيقات نية المشاركة .
ولتفصيل ما أجملناه نعرض لأحكام إدارة شركة التضامن على النحو التالى :
Uتعيين المدير وعزله:
لا يخرج الأمر هنا عن فروض ثلاثة :
أما الفرض الأول : إذا كان المدير شريكا وحصل تعيينه فى عقد الشركة أطلق عليه (المدير الاتفاقى) ، ويلزم لتعيينه وعزله اتفاق جميع الشركاء بما فيهم المدير الاتفاقى نفسه . ويأخذ حكم المدير الاتفاقى المدير الشريك الذى يثبت تعيينه فى اتفاق تعديل عقد الشركة متى تم ذلك التعديل طبقا لإجراءات الشهر القانونى .
وقد تلاحظ لنا من واقع الحياة العملية أن هناك العديد من عقود شركات التضامن التى تنص على تشكيل مجلس إدارة للشركة فى العقد ذاته ، ويتضمن العقد النص على صلاحية رئيس مجلس الإدارة فى تمثيل الشركة قبل الغير وإعطاء الحق له وحده فى التوقيع على عقود الشركة . ونرى فى مثل هذه الأحوال أن الشريك المسمى « رئيس مجلس إدارة » لا يعدو إلا أن يكون مديرا اتفاقيا طبقا لأحكام القانون المدنى ، وتسرى فقط فى حقه أحكام المدير الاتفاقى دون غيره من أعضاء مجلس الإدارة المسمين فى عقد شركة التضامن طالما أن هؤلاء الأخيرين ليس لهم الحق فى تمثيل الشركة أو التوقيع نيابة عنها.
والأصل ، طبقا لما هو مستقر عليه فى الفقه ، أنه لا يجوز عزل المدير الاتفاقى إلا بموافقة جميع الشركاء بما فى ذلك الشريك المدير ، وهذا الأصل يرد عليه استثناءين أساسيين :
الاستثناء الأول : يجوز عزل المدير الاتفاقى بأغلبية الشركاء إذا أجاز العقد ذلك .
الاستثناء الثانى : يجوز عزل المدير الاتفاقى حتى فى حالة عدم وجود اتفاق يجيز ذلك بحكم قضائى متى وجد مسوغ لذلك العزل ، كنتيجة ارتكاب غش أو خطأ جسيم من قبل المدير الاتفاقى .
ويقع العزل فى هذه الأحوال بموجب حكم قضائى ، ويكون لأى من الشركاء طلب عزل المدير الاتفاقى متى وجد مسوغ لذلك ، ويتحقق العزل بقوة القانون فى حالة الحكم على هذا الشريك المدير بالإفلاس أو إصابته بعارض من عوارض الأهلية .
ولا يترتب على عزل المدير – فى رأينا – حل الشركة إذا كان هذا العزل راجعا إلى استقالة المدير أو كان نتيجة وجود اتفاق على جواز مثل هذا العزل ، إذ أنه لا يترتب على عزل المدير الاتفاقى فى مثل هذه الحالات انتفاء صفته كشريك ، فقد يستمر فى الشركة كشريك بالرغم من استقالته أو عزله كمدير .
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون الشركات الموحد قد استلزم حل الشركة فى حالة اعتزال المدير المعين فى عقد التأسيس ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك (مادة 138) . ولعله من التناقض البين أن المشروع نص على حل الشركة فى حالة اعتزال المدير ، فى حين أنه تضمن صراحة عدم الحل عند عزل المدير ، فيستطيع الشريك المدير سيئ النية إنهاء الشركة بمجرد تقديمه لاستقالته .
أما الفرض الثانى : إذا كان المدير غير شريك ، ولكنه مسمى أو وارد فى العقد ، ففى هذه الحالة يجوز عزل هذا المدير فى أى وقت لأنه وكيل . ولكن يلزم إتباع الطريقة المنصوص عليها فى العقد ، فإذا لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك وجب الحصول على موافقة كافة الشركاء إذ أن هذا العزل يعد تعديلا لعقد الشركة . وفى حالة إخفاق الشركاء فى الوصول إلى قرار يكون لأى من الشركاء طلب عزل المدير بواسطة المحكمة متى وجد مسوغ لذلك .
أما الفرض الثالث : إذا كان المدير المعين شريكاً معيناً بعقد مستقل ، فإن الراجح أن العزل حق جماعى لكافة الشركاء، ولكنه يثبت دائما لأغلبية الشركاء ولو كان تعيين المدير بالإجماع . ويسرى ذات الحكم على الشريك غير الاتفاقى والمعين بمقتضى عقد مستقل ويكون للمدير غير الاتفاقى ، شريكا كان أو أجنبيا أن يستقيل من الإدارة متى وقع ذلك منه فى وقت لائق ولا يستتبع عزله أو استقالته حل الشركة أو انقضاؤها .
Uسلطات المدير :
الأصل أن يعين العقد الذى يتم تعيين المدير بمقتضاه – سواء أكان عقد الشركة أو عقد مستقل – سلطات المدير وحدود هذه السلطات . ولا يحتج بهذه القيود فى حالة وجودها قبل الغير ما لم تكن مشهرة طبقا لصحيح القانون .
وفى حالة عدم وجود اتفاق يكون للمدير القيام بكافة أعمال الإدارة والتصرف اللازمة لتنفيذ غرض الشركة ، وبما يتفق مع طبيعة نشاطها . فللمدير – بحسب الأصل – تعيين العاملين لدى الشركة وفصلهم طبقا لقواعد قانون العمل وتحديد مرتباتهم وإبرام العقود اللازمة لتنفيذ نشاط الشركة واستغلال المشروع من بيع وشراء وإيجار ومقاولة إذا كان لها مقتض . كما يكون للمدير الاقتراض بالقدر اللازم لتسيير شئون الشركة ، ويكون له رفع الدعاوى وإجراء التحكيمات اللازمة لاستيفاء حقوق الشركة ، ويكون له كذلك إبرام عقود الصلح اللازمة . ولكن ليس للمدير رهن أصول الشركة أو بيع عقاراتها أو رهنها كمحل تجارى أو الدخول فى تبرعات ضخمة دون الحصول على موافقة الشركاء . كما لا يجوز له تعديل العقد أو تغيير غرض الشركة أو إدماجها أو تصفيتها دون الحصول على موافقة الشركاء . كما لا يجوز له المساهمة فى شركة أخرى إلا إذا كان ذلك ضمن أغراض الشركة.
فإذا كانت الشركة المعنية شركة مقاولات ، على سبيل المثال ، كان للمدير فى حالة عدم وجود نص ، التوقيع عن الشركة على كافة عقود المقاولات التى تبرمها ، كما أن له إجراء عقود شراء المعدات والآلات المختلفة اللازمة لتنفيذ الشركة لأعمالها ، كما أن له بيع الآلات والمعدات المستهلكة أو القديمة واستبدالها بآلات ومعدات جديدة طبقا لسعر السوق ، كما أن لمدير الشركة فتح اعتمادات والدخول فى ترتيبات مع بنوك الشركة لإصدار خطابات ضمان لتقوم الشركة بتنفيذ التزاماتها ، كما أن للمدير إبرام عقود قرض أو الدخول فى عقود تأجير تمويلى بهدف تمويل وشراء معدات وآلات لازمة لاستغلال الشركة . ولكن يمتنع على المدير فى هذا المثال أن يكون طرفا فى أى من هذه العقود ، كما لا يجوز له – دون الحصول على موافقة الشركاء – رهن الشركة كمحل تجارى أو إضافة أنشطة جديدة مثل أعمال التوريد ، ولا يجوز له المساهمة فى شركة أخرى حتى ولو كانت تمارس نفس النشاط ، كما أنه لا يجوز له تغيير شكل الشركة أو إدماجها فى شركة أخرى وإن جاز له إنشاء فروع لهذه الشركة.
وخلاصة ما تقدم ، أن للمدير أن يبرم كافة التصرفات القانونية والقيام بالأعمال المادية المرتبطة بنشاط الشركة ، على أن يقوم بهذه التصرفات والأعمال باسم الشركة أو لحسابها وفى حدود القيود المفروضة على اختصاصاته .
فإذا كان المدير يمارس سلطاته فى حدود اختصاصاته ، يثور التساؤل عما إذا كان لأى من الشركاء الاعتراض على القيام بأى عمل من الأعمال التى يقوم بها المدير ومنعه من إتمامه . وللإجابة على هذا التساؤل يتعين علينا – مرة أخرى – التفرقة بين المدير الاتفاقى طبقا للمادة 516 مدنى من ناحية ، والشريك غير الاتفاقى أو المدير غير الشريك من ناحية ثانية .
فإذا كان المدير شريكاً أختير للإدارة بنص خاص فى عقد الشركة أو تعديله ، فيكون له أن يقوم بالرغم من معارضة سائر الشركاء بأعمال الإدارة وبالتصرفات التى تدخل ضمن نشاط الشركة وفى أغراضها متى كانت أعماله خالية من الغش أو الخطأ الجسيم أو كان من شأنها تعريض الشركة ومصالح الشركاء لمخاطر جمة . أما فى غير ذلك من الحالات فيكون لأى من الشركاء الاعتراض على قيام المدير بالعمل محل الاعتراض ، ومنعه من إتمامه .
Uتعدد المديرين :
إذا عينت الشركة أكثر من مدير ، فإن تنظيم العلاقة بينهم يخضع للمبادئ التالية طبقا للمادة 517 من التقنين المدنى ، وذلك بطبيعة الحال ما لم يوجد اتفاق يخالف ذلك :
إذا اتفق على أن تكون قرارات المديرين بالإجماع أو الأغلبية ، تعين إتباع ذلك الإجراء وإلا كان التصرف غير نافذ فى حق الشركة دون المساس بحقوق الغير حسنى النية .
إذا اتفق على تحديد اختصاصات وسلطات كل واحد من المديرين تعين عليه الالتزام بحدود هذه الاختصاصات والسلطات ، وإلا كان تصرفه غير نافذ فى حق الشركة دون المساس بحقوق الغير حسنى النية .
إذا تعدد المديرون دون أن يعين اختصاص كل منهم ودون أن ينص على عدم جواز انفراد أى منهم بالإدارة ، كان لكل منهم أن يقوم – منفردا – بأى عمل من أعمال الإدارة على أن يكون لكل من باقى المديرين أن يعترض على العمل قبل تمامه ، وفى هذه الحالة يتعين عرض الأمر على المديرين ويكون لأغلبيتهم رفض هذا الاعتراض أو تأييده ، فإذا تساوى الجانبان كان ذلك من حق أغلبية الشركاء . فإذا قام أحد المديرين بإتمام العمل بالرغم من الاعتراض عليه ولم تقره أغلبية المديرين أو أغلبية الشركاء – بحسب الأحوال – كان هذا التصرف غير نافذ فى حق الشركة دون المساس بحقوق الغير حسنى النية .
Uالتزامات المدير ومسئوليته :
المدير وكيل عن الشركة فيلتزم قبلها بما يلتزم به الوكيل قبل موكله ، سواء أكانت التزامات إيجابية مؤداها القيام بأعمال معينة ، أو التزامات سلبية مقتضاها الامتناع عن إتيان أعمال معينة . ولذلك يمتنع على مدير الشركة الإتيان بأى عمل يؤدى إلى تعريض مصالح الشركة للخطر . كما يلتزم بعدم الخروج عن حدود اختصاصاته وسلطاته ، ويجب عليه تكريس جهوده لمصالح الشركة والامتناع عن العمل فى شركة منافسة أو العمل لحسابه فى نشاط مماثل لذلك النشاط الذى تمارسه الشركة . ولا يجوز للمدير أن يتعاقد مع نفسه ، وعليه الامتناع عن الدخول فى أى تصرف أو عمل يكون فيه تعارض للمصالح . كما لا يجوز للمدير استغلال أموال الشركة أو أصولها لحسابه الخاص . وإذا كان المدير يتقاضى أجرا على عمله وجب عليه أن يبذل ما يبذله الرجل المعتاد ، كما يلتزم المدير أن يقدم حسابا للشركة عن أعمال الشركة ، كما يلتزم بالرد على استفسارات الشركاء . وعلى المدير أن يتولى إدارة الشركة بنفسه إلا أن يرخص له فى عقد تعيينه بالحق فى أن ينيب عنه غيره .
وفى حالة مخالفة المدير لأى من هذه الالتزامات كان مسئولا بالتعويض عن أية أضرار تلحق بالشركة أو بالشركاء ، وذلك طبقاً للقواعد العامة فى المسئولية العقدية .
ومتى تعامل المدير باسم الشركة ولحسابها ، تكون الشركة مسئولة مسئولية شخصية ومباشرة عن التصرفات والأعمال المادية التى تدخل فى حدود سلطاته ، فإذا تعامل باسمه الشخصى ولحساب الشركة تكون الشركة كذلك مسئولة عن تصرفاته ، ولكن يقع على الغير عبء إثبات أن هذه التصرفات قد أجريت لحساب الشركة . ولا تلتزم الشركة بتصرفات المدير إذا تجاوز حدود اختصاصاته ، ولكنها تكون مسئولة عن هذه التصرفات قبل الغير إذا لم تكن هذه القيود مشهرة طبقا للقانون .